الأحد، 19 سبتمبر 2010

فوضي الأجور الأسعار نار‏...‏ والأجور في غرفة الإنتظار .......تحقيق‏:‏ نعمان الزياتي

هذا التحقيق منشور فى الا هرام الاقتصادى للاطلاع عليم اضغط هنــــــــــــــــــا
الشريف‏:‏رفع الأجور‏..‏ تخفيف معاناة الموطنين‏...‏ تحقيق العدالة‏...‏ كبح التضخم‏...‏ ضبط الأسعار
مناقشة الموازنة العامة بما يكبح التضخم ويضبط الأسعار
اتحاد العمال يطلب‏900‏ جنيه حدا أدني لأجور القطاع الخاص
--------------------------
لقد تنبهت القيادة السياسية الي اهمية رفع المستوي المعيشي للمواطنين‏,‏ من خلال رفع الاجور وكان هذا البند من اولويات البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك‏,‏ وكترجمة لفهم القيادة السياسية تم رفع مستوي الرواتب والاجور عدة مرات‏.‏
ولاح امل كبير امام المواطن المصري لتحسين مستوي معيشته خصوصا مع ما اطلقه السيد صفوت الشريف الامين العام للحزب الوطني أنه ستتم دراسة رفع الحد الأدني للأجور لتخفيف المعاناة عن المواطنين‏,‏ وبما يحقق العدالة الاجتماعية‏,‏ ويكبح التضخم‏,‏ ويضبط الأسعار‏.‏
وأشار ـ خلال الاجتماع الذي عقدته هيئة مكتب أمانة الحزب الوطني برئاسته‏,‏ وبحضور الدكتور زكريا عزمي الأمين العام المساعد للحزب للتنظيم والعضوية والمالية‏,‏ والدكتور مفيد شهاب الأمين العام المساعد للشئون البرلمانية‏,‏ والسيد جمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات‏,‏ والمهندس أحمد عز أمين التنظيم‏,‏ والدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام ـ إلي أن هيئة المكتب أكدت رفضها لكل أشكال الفساد وطالبت بأن يكون هناك ردود واضحة بشأن ما يثار في وسائل الإعلام من موضوعات حتي تكون الحقائق واضحة أمام الشعب‏.‏

من ناحية أخري‏,‏ طالب الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بأن يكون الحد الأدني لأجر العامل في القطاع الخاص‏900‏ جنيه شهريا‏.‏
وأكد أنه يجب أن تكون هناك تفرقة بين وضع حد أدني للأجر في القطاع الحكومي‏,‏ الذي يحكمه تعديل تشريعي في قانون العاملين المدنيين في الدولة‏,‏ والحد الأدني للأجر في القطاع الخاص والاستثماري‏,‏ الذي يخضع للحوار مع أصحاب الأعمال‏.‏
وقال‏:‏ إن وضع حد أدني للأجر في مصر‏,‏ سواء علي مستوي القطاع الخاص أو الحكومة أصبح يمثل ضرورة قصوي في ظل ارتفاع الأسعار التي تعانيها كل الفئات‏ ، وسوف يعقد الحزب الوطني الديمقراطي اجتماعات مكثفة مع الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء‏,‏ والوزراء خلال الأيام المقبلة في إطار مناقشة الموازنة العامة للدولة‏.‏
----------------------------‏
تعتبر الأسعار والأجور مرآة عاكسة للواقع الاقتصادي والاجتماعي كله‏.‏ وتمتد مشكلة الأجور في مصر إلي أكثر من نصف قرن‏.‏ وكثيرا ما يشاع بأن الأجور لدينا ضعيفة لأننا لا نعمل جيدا‏,‏ ولأن إنتاجية العمل هابطة‏,‏ وبهذا يتم إختزال الوجه الآخر للمشكلة فالمشكلة الأكبر من إنتاجية العمل هي أننا متخلفون في وتيرة النمو المطلق للأجور التي ظلت ثابتة بقيمها المطلقة لسنوات طوال ولسنا بحاجة إلي تأكيد حقيقة وأهمية بحث الأسعار والأجور‏.‏ فهذه القضية أصبحت مشكلة يومية‏,‏ وحضارية‏,‏ ولا تعني رفاه الإنسان فحسب‏,‏ وإنما تعني الوجود ذاته‏.‏ وخاصة في الوقت الذي نحس فيه بوطأة الأسعار ومستوي الرواتب والأجور عموما‏,‏ لاسيما علي ذوي الدخل المحدود‏,‏ حيث أصبحت نفقات تكاليف المعيشة ذا وطأة ثقيلة‏.‏ لقد أصبحت مسألة الحد الأدني للأجور اليوم من مستلزمات الدولة العصرية التي تنشد التنمية الاقتصادية بأبعادها الاجتماعية الإنسانية في إطار ما يسمي بالطريق الثالث أو اقتصاد السوق الاجتماعي‏.‏

وجاء حكم محكمة القضاء الإداري‏,‏ بإلزام الحكومة بوضع حد أدني جديد للأجر‏,‏ انتصار تاريخي لقيم العدالة‏,‏ وعلي الفور استجاب الحزب الوطني لحكم محكمة القضاء الإداري‏,‏ ولمطالبة بعض فئات المجتمع بضرورة رفع الحد الأدني للأجور لطرح الموضوع علي مائدة البحث للخروج بآلية تضمن رفع الحد الأدني وفي نفس الوقت لا تؤدي إلي رفع الأسعار وتواكب مسيرة الإصلاح التي تمت منذ خمس سنوات والتي من خلاله رفعت المرتبات والأجور إلي الضعف‏.‏
‏------------‏

الدكتور صفوت النحاس رئيس جهاز التنظيم والإدارة‏:‏

لأول مرة تتضاعف الأجور خلال خمس سنوات في دولة غير بترولية

الدول التي أقرت حدا أدني للأجور مبالغ فيه‏,‏ لم تطبقه كل منظمات الأعمال

اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء‏:‏

‏329‏ جنيها متوسط الأجر الأسبوعي للفرد في كل من منشآت القطاع العام‏/‏ الأعمال العام

ارتفع الرقم القياسي للطعام والشراب بنسبة‏19.6%‏ في مارس عنه في يناير الماضي

د‏.‏ رضا العدل لم تعد مسألة الحد الأدني للأجور مرتبطة بطبيعة هذا النظام أو ذلك

يجب أن يكون لدي المجلس الأعلي للأجور نظام يوضح مؤشر الإنتاجية كل شهر بالمعني الاقتصادي

الدكتور سمير مصطفي‏:‏ السعر والأجر بمثابة حصانين لعربة واحدة‏,‏ ولن تسير هذه العربة بشكل متوازن ما لم تتناسب خطا الاثنين معا

د‏.‏ نجلاء الأهواني‏:‏دور المجلس الأعلي للأجور غير مفعل ويقتصر دوره علي بحث شكاوي الشركات التي لا تستطيع دفع زيادات في الأجور

د‏.‏ عادل هادي نائب مدير الجامعة الأمريكية‏:‏

رفع الحد الأدني للأجور سيؤدي إلي رفع كل الأجور في المستويات المختلفة والأسعار

علي الرغم من تراجع التضخم في الاقتصاد المصري إلا أن أسعار السلع لم تنخفض

د‏.‏ سمير عبد الوهاب‏:‏ ارتفاع الحد الأدني للأجور له انعكاسات سلبية علي الأسعار وأول المتضررين هم الذين ارتفعت رواتبهم

د‏.‏ ضحي عبد الحميد‏:‏ هناك آليات كثيرة يمكن من خلالها رفع الحد الأدني وتغيير نظام الأجور بلا تضخم
الموارد المتحققة في بعض القطاعات في الدولة ليست حكرا علي العاملين بها جاء حكم محكمة القضاء الإداري‏,‏ بإلزام الحكومة بوضع حد أدني جديد للأجر‏,‏ بمثابة انتصار تاريخي لقيم العدالة والحق وللاعتبارات الاقتصادية التي تشير إلي أن وجود نظام عادل للأجور يؤدي إلي حفز العاملين علي العمل والابتكار والالتزام بقواعد ولوائح العمل والقبول بآليات الثواب والعقاب فيها عن طيب خاطر‏,‏ فضلا عن أن تحسين توزيع الدخل من خلال نظام الأجور‏,‏ يؤدي إلي زيادة حصة من يعملون بأجر وهم الفقراء والطبقة الوسطي في الدخل‏,‏ ليتحول جزء كبير من تلك الحصة إلي طلب فعال علي السلع والخدمات‏,‏ يحفز المستثمرين من القطاع الخاص ويحفز الدولة علي بناء مشروعات جديدة تلبي هذا الطلب علي السلع والخدمات‏,‏ وتلك المشروعات تقوم بتشغيل عاملين جدد وتوزع عليهم دخول في صورة أجور وما في حكمها‏,‏ لتتحول مرة أخري إلي طلب فعال يحفز تأسيس مشروعات جديدة‏,‏ وهو ما يطلق عليه مضاعف الاستثمار الذي يعد أحد العوامل الأساسية التي تنهض عليها أي دورة للنمو الاقتصادي السريع والمتواصل‏.‏

وكان الناشط العمالي ناجي رشاد تقدم بدعوي قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالب فيها بتنفيذ المادة‏34‏ من قانون العمل‏12‏ لسنة‏2003‏ والتي تنص علي وضع حد أني للأجور لا يقل عن‏1200‏ جنيه لكي يتفق مع زيادة الأسعار‏.‏

وإذا كان لمصر أن تصلح نظام الأجور للعاملين في الدولة لجعله محفزا للعاملين علي العمل‏,‏ فإن الأمر يتطلب ببساطة‏,‏ وضع حد أدني جديد للأجر يرتبط بتكاليف المعيشة‏,‏ وهو الحد الذي وصلت المناقشات الأولية بشأنه في المجلس القومي للأجور إلي تحديد مبلغ‏400‏ جنيه كحد أدني للأجر الشهري‏,‏ بينما طالب اتحاد العمال بحد أدني يبلغ‏600‏ جنيه في الشهر‏,‏ وذلك في عام‏.2007‏ ووفقا لحسابات المجلس القومي للأجور‏,‏ يجب أن يكون في العام الحالي نحو‏640‏ جنيها‏,‏ وأن يكون نحو‏900‏ جنيه وفقا لحسابات اتحاد العمال‏.‏

لكن الخبراء الاقتصاديين يرون ضرورة ربط الأجر بالإنتاجية وبالأسعار ويرون أن الاقتصاد المصري قادر علي تمويل رفع الحد الأدني للأجور‏.‏

تساءل الدكتور صفوت النحاس رئيس جهاز التنظيم والإدارة عن المعايير التي تطبقها كل دول العالم في تحديد الحد الأدني للأجور ؟ ومن يتقاضي الحد الأدني ؟ الذي يتقاضي الحد الأدني للأجور هو الذي يدخل سوق العمل لأول مرة ولديه أدني مستوي من التعليم‏,‏ ولم يتم تدريبه‏,‏ أي معه محو أمية أو شهادة اتمام التعليم الأساسي‏(‏ الإعدادية‏)‏ ولم يسبق تدريبه‏,‏ ودخل لسوق العمل لأول مرة‏,‏ وليست لديه أسرة‏,‏ أي فرد في أسرة‏.‏ وهناك ثلاثة معايير تحدد الحد الأدني للأجور‏,‏ المعيار الأول في أن يكون أعلي من معدل خط الفقر القومي‏,‏ وخط الفقر القومي عليه خلاف وينحصر ما بين‏160‏ جنيها و‏180‏ جنيها‏.‏ وهو المبلغ الي يكفي لجعل الشخص علي قيد الحياة من مأكل وملبس‏,‏ والمعيار الثاني أن يكون أقل من‏50%‏ من متوسط الأجور السائدة في المجتمع‏,‏ ومتوسط الأجور الأخيرة السائدة حوالي‏900‏ جنيه أي أقل من‏450‏ وأكثر من‏180‏ جنيها‏,‏ والمعيار الآخر‏,‏ أنه يعدل دوريا ما بين سنة إلي‏5‏ سنوات بمعدل التضخم‏,‏ والنقطة الرابعة أن يكون دافعا للاقتصاد علي النمو‏.‏ وتجارب الدول توضح لنا هذا خاصة أن الدول التي أقرت حدا أدني للأجور مبالغ فيه‏,‏ لم تطبقه كل منظمات الأعمال‏,‏ حيث لم يكن دافعا للاقتصاد عندهم‏,‏ فلو ذكرنا مثلا أن الحد الأدني للأجور‏1500‏ جنيه‏,‏ وهو خارج تلك المعايير‏,‏ فلم ينفذ‏,‏ وأيضا عندما حددنا أن العلاوة في قانون العمل‏12‏ لسنة‏2003‏ والتي حددت بـ‏7%‏ في السنة‏,‏ كل الناس عملت مرتبا تأمينيا‏,‏ ودخلا للذي يعمل حيث يمكن أن يكون مرتبه التأميني‏200‏ جنيه لكنه يحصل علي‏2000‏ جنيه خارج التأمينات‏,‏ فالجزء الذي يحاسب فيه‏.‏ ومن ثم فتحديد الحد الأدني للأجور لابد أن يعبر عن واقعية ودافع للاقتصاد علي النمو‏,‏ لكن المبالغة فيه سيؤدي إلي التضخم‏,‏ وسترتفع أسعار السلع والخدمات‏,‏ لأن الحد الأدني للأجور المحدد لن يكفي‏,‏ كما سيتم رفع سقف كل الأجور دون وجود زيادة في الناتج القومي الإجمالي مما يؤدي إلي تضخم شديد‏.‏

أقل موظف في الحكومة الدائمين‏(‏ شاغلي الدرجة الستة‏)‏ ومتوسط أجورهم أكثر من‏420‏ جنيها‏,‏ ففي المحليات حوالي‏420‏ جنيها وفي الهيئات حوالي‏460‏ جنيها‏,‏ وفي الوزارات المركزية حوالي‏490‏ جنيها‏.‏

وليس هناك اتفاق علي رفع الحد الأدني للأجور إلي‏1200‏ جنيه لكن هي مطالب من بعض أعضاء اتحاد العمال وليس من اتحاد العمال الذي لم يصدر وثيقة‏.‏

وبالنسبة للعلاوات الدورية‏,‏ معيار المجتمع كله في العمالة المنتظمة‏,‏ وهي موجودة داخل الحكومة‏,‏ وعندما تقول الحكومة ان الأساسي لشاغل الدرجة الستة‏35‏ جنيها‏,‏ هي رفعت الذي يلتحق بالدرجة الستة بعلاوات اجتماعية‏305%,‏ وزودتها بعلاوة عيد العمال بـ‏10‏ جنيهات‏,‏ وعلاوتين اجتماعيتين إضافيتين واحدة بـ‏4‏ جنيهات والأخري بـ‏6‏ جنيهات‏,‏ وهناك حافز إثابة الحد الأدني له‏75%,‏ غير الحوافز والجهود الإضافية التي تختلف من مكان لآخر‏,‏ فمتوسط دخول شاغلي الدرجة الستة أكثر من‏420‏ جنيها‏.‏ والناس المؤقتون لهم مشاكل نتيجة الموافقة لجهة علي أن تتعاقد مع فرد بـ‏500‏ جنيه‏,‏ ثم تتعاقد مع ثلاثة كل فرد بـ‏150‏ جنيها‏.‏

ولأول مرة في دولة غير بترولية أن تتضاعف الأجور خلال خمس سنوات‏,‏ وفاء للالتزام الذي تعهد به رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي‏,‏ فموازنة الأجور‏2004-2005‏ كانت‏42‏ مليار جنيه‏,‏ وموازنة الأجور‏2009-2010‏ تصل إلي‏86.7‏ مليار جنيه‏,‏ وموازنة‏2010-2011‏ والذي عرضها وزير المالية علي مجلس الشوري توضح أن بند الأجور يصل إلي‏95‏ مليار جنيه‏,‏ أي أن الأجور تضاعفت فعلا بأكثر من‏100%‏ لكل العاملين في الجهاز الإداري في الدولة‏,‏ والذي يعتبر المعيار والمقياس الذي نقيس عليه كل أنشطة سوق العمل‏,‏ لأن أكثر من‏70%‏ من العمالة المنتظمة داخل الجهاز الإداري للدولة‏,‏ والجهاز الإداري للدولة يضم نحو‏27%‏ من إجمالي قوة العمل‏.‏ ونحن مستمرون في سياسات دعم الأجور‏,‏ وأن التضخم معترف به ويؤثر علي تلك الزيادات بالسلب‏,‏ ونحن في نشاط دائم لتحسين مستويات الأجور‏.‏

وحول خريطة الأجور في القطاعات المختلفة قال اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصورة العامة للأجور حيث ان متوسط الأجر الأسبوعي في كل من منشآت القطاع العام‏/‏ الأعمال العام والقطاع الخاص‏329‏ جنيها للفرد عام‏2008‏ مقابل‏252‏ جنيها عام‏2007‏ موزعة كالاتي‏:‏ القطاع العام‏/‏ الأعمال العام‏406‏ جنيهات مقابل‏308‏ جنيهات‏,‏ القطاع الخاص‏275‏ جنيها‏.‏ وقد بلغ متوسط الأجر الأسبوعي للفرد طبقا لأهم الأنشطة الاقتصادية ما يلي‏:‏ التعدين واستغلال المحاجر‏689‏ جنيها‏,‏ إمدادات الكهرباء والغاز والبخار وإمدادات تكييف الهواء‏388‏ جنيها‏,‏ التشييد والبناء‏346‏ جنيها‏,‏ تجارة الجملة والتجزئة والإصلاح للمركبات‏266‏ جنيها‏,‏ الصناعات التحويلية‏247‏ جنيها‏,‏ خدمات الغذاء والإقامة‏224‏ جنيها‏,‏ التعليم‏135‏ جنيها‏.‏ وبالنسبة لمؤشرات الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين بلغ الرقم العام لإجمالي الجمهورية ارتفاعا قدره‏11.8%‏ في مارس عن شهر فبراير حيث ارتفع الرقم القياسي للطعام والشراب بنسبة‏19.6%,‏ وللملابس والأحذية بنسبة‏2%‏ وللسكن والمياه والكهرباء والغاز بنسبة‏0.8%‏ وللأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية بنسبة‏4%‏ وللرعاية الصحية بنسبة‏0.5%‏ والتعليم بنسبة‏8.6%‏ وللمطاعم والفنادق بنسبة‏7.7%.‏

د‏.‏ سمير رضوان مستشار هيئة الاستثمار‏:‏ يجب أن يكون الحد الأدني للأجور موازيا لخط الفقر في مصر‏,‏ بمعني ألا يقل الحد الأدني للأجور عن معدل خط الفقر الذي تحدده المعايير الدولية‏..‏ ولفت إلي أن خط الفقر في مصر يصل إلي‏1968‏ جنيها سنويا للفرد‏,‏ أي بقيمة أجر‏164‏ جنيها للفرد و‏656‏جنيها كدخل للأسرة شهريا‏,‏ باعتبار أن متوسط حجم الأسرة‏4‏ أفراد‏.‏وأضاف أنه لا يمكن انخفاض الحد الأدني للأجر عن مستوي خط الفقر‏,‏ موضحا أن الدرجة السادسة‏,‏ وفقا للإحصاءات الرسمية‏,‏ وهي أدني الدرجات الوظيفية‏,‏ لا تتعدي قيمة الأجر فيها من الدخل الأساسي‏394‏ جنيها في الشهر‏,‏ وهو المبلغ الذي إذا تمت قسمته علي‏4‏ أفراد‏-‏ متوسط عدد الأسرة‏-‏ سيصبح نصيب الفرد‏98‏ جنيها‏,‏ أقل من خط الفقر‏.‏

يميل الاتجاه العام علي مستوي العالم إلي تفضيل وجود حد أدني للأجور لدوره في تحسين بيئة العمل خصوصا للفئات العمالية الأقل حظا‏.‏ ويبرز تساؤل مهم حين التطرق لقضية الحد الأدني للأجور عن اختيار مستواه المناسب‏.‏ حتي عند التسليم بأهمية تطبيقه فإن الآراء تختلف في تحديد مستوياته‏.‏ فما الحد الأدني الذي يرفع من دخول أكبر شريحة من منخفضي الأجور دون أن يؤثر بقوة في مستويات التوظيف؟ وعلي كل حال ينبغي عند اختيار مستوي الحد الأدني من الأجور تجنب رفعه كثيرا فوق المستويات التوازنية لأجور العمالة غير الماهرة‏,‏ وكذلك تجنب وضعه تحت المستويات التوازنية لأجور العمالة غير الماهرة‏.‏ فلو كان الحد الأدني للأجور أعلي بكثير من الأجور التوازنية فإنه سيؤثر بلا شك في مستويات التوظيف ويرفع مستويات البطالة‏.‏ وعلي الطرف الآخر فإذا كان الحد الأدني للأجور منخفضا جدا فلا جدوي منه ولن يكون له أي تأثير‏.‏

ويطالب د‏.‏ سمير رضوان بضرورة القضاء علي فوضي هيكل الأجور الحالي والذي يمثل نسبة كبيرة من مجموع الانفاق العام لافتا إلي وجود أجور ضخمة بالحكومة تصل الي‏100‏ ألف جنيه في الشهر‏.‏ كما أن مشكلة الأجور ترجع الي عدم عدالة التوزيع‏..‏ فالدخل في مصر ينقسم الي أجر وحوافز وهناك ناس تحصل علي حوافز‏30‏ أو‏40%‏ وهناك من يحصل علي‏900%.‏ إن أوضاع الأجور في مصر تحمل أكثر من مفارقة‏,‏ وأهمها ليس فقط الانخفاض غير المنطقي في أجور القطاعات الأوسع من العمال والموظفين‏,‏ ولكن أيضا التفاوت الشاسع بين أجور الصفوة والقواعد الذي اعترف به تقرير مجلس أمناء الاستثمار حين قرر أن‏10%‏ فقط من الحاصلين علي عمل يتمتعون بمستويات أجور لائقة في القطاعات الحديثة‏.‏ علينا أن نسرع الخطي للحاق بركب الكبار فالفرصة مواتية أمامنا ومن الآن وحتي‏2020‏ ستحدث تغيرات مهمة في الاقتصاد العالمي حيث ستستمر دول آسيا في معدلات نموها المرتفعة والاتحاد الأوربي لن يزيد عن‏2%,‏ الولايات المتحدة أقل من‏3%‏ هذا يعني تحول في ثقل الاقتصاد العالمي نحو آسيا‏,‏ ولا يجب أن نسير كما كنا نسير في الماضي‏,‏ فالأزمة المالية خلقت فرصا غير مسبوقة‏,‏ فالأنشطة الاقتصادية ستنتقل إلي الجنوب‏.‏ وأوضح د‏.‏ سمير رضوان أن إصلاح التعليم لم يعد له معني فماهير محمد أخذ ما يعجبه من نظام التعليم الروسي والأمريكي ومن سنغافورة وعمل توليفة اصلحت التعليم‏,‏ المهم أن نبدأ فورا ولهذا نحتاج إلي إطار فكري مختلف‏.‏ لدينا فرص علينا استغلالها والاصلاح أتي ثماره وعلينا ألا نقارن أنفسنا بالدول المتقدمة في حالات معينة مثل مقارنات الدين العام‏,‏ فالسياسة المالية في مصر لا تريد بالوصول بالدين العام إلي مرحلة الخطر‏.‏ المهم أننا لدينا قاعدة اقتصادية صلبة يمكن الانطلاق من خلالها ومعدل النمو سيعود إلي‏7.4%‏ خلال الأعوام الثلاثة القادمة‏.‏ ولكن أكبر تحد يواجه صانع السياسات هو في إيجاد‏950‏ الف فرصة عمل سنويا‏.‏

د‏.‏ رضا العدل أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس‏:‏ لم تعد مسألة الحد الأدني للأجور اليوم مرتبطة بطبيعة هذا النظام الاقتصادي الاجتماعي او ذلك‏,‏ ولا بأيديولوجية بعينها‏.‏ ولا يمكن النظر إلي الأجور بمعزل عن الأسعار‏,‏ ونحن نمر بظروف صعبة يتحتم معها زيادة الإنتاجية التي ستؤدي إلي زيادة الأجور‏.‏ والمفروض أن يكون لدي المجلس الأعلي للأجور خاصة في عهد الحكومة الاليكترونية نظام يوضح مؤشر الإنتاجية كل شهر بالمعني الاقتصادي وليس بالمعني المحاسبي‏,‏ حيث ان الإنتاجية بالمعني المحاسبي المعمول به‏,‏ والذي يسير عليه الجهاز المركزي للمحاسبات والنظام المحاسبي الموحد‏,‏ يقسم الإنتاج علي عدد العمال‏,‏ لكن المفروض أن تحسب الإنتاجية بدلالة القيمة المضافة التي أضافتها عوامل الإنتاج‏.‏ حيث هناك عوامل كثيرة تدخل في عملية الإنتاج‏.‏والنظرية الاقتصادية تؤيد رفع الأجور إذا سبقتها أو صاحبتها زيادة في الإنتاجية‏.‏

ولدينا قطاعات منظمة‏,‏ قطاع مال خاص منظم‏,‏ وقطاع أعمال عام منظم‏,‏ وهيئات اقتصادية منظمة‏..‏ الخ‏.‏ بالإضافة إلي أجهزة الدولة التي تعمل في مجالات الإحصاء والمعلومات‏,‏ يمكن من خلالها أن تكون لدينا بيانات شهرية عن الإنتاجية وربطها بالأجر‏.‏ وإذا زادت الأجور بدون زيادة الإنتاجية فستؤدي إلي التضخم‏.‏

كما أن المشكلة تكمن في عدم وجود سوق واحد للعمل‏,‏ فهناك أسواق عمل متعددة‏,‏ بعضها وصلت إلي درجة التوظف الكامل‏,‏ وترتفع فيها الأجور بفعل العرض والطلب‏.‏ والبعض الآخر لم يصل بعد إلي تلك الدرجة من التوظف الكامل وبه بطالة‏,‏ وتنظر إلي أسواق التوظف الكامل من ناحية الأجر‏,‏ وتطالب بالمساواة معها‏.‏

وعلي وزارة القوي العاملة أن تهتم بأسواق العمل‏,‏ سواء التي بها توظف كامل أو التي ليس بها توظف كامل‏,‏ وتنسق بينهما من خلال عمليات التدريب‏,‏ بأن ننقل العاملين من أسواق التوظف غير الكامل إلي أسواق التوظف الكامل من خلال التدريب المكثف‏,‏ مثلا يمكن تعليم شخص ما أصول العمل في السباكة خلال شهر كامل‏.‏ كذلك بالنسبة لكثير من المهن المطلوبة‏.‏ومن هنا سيرتفع المجتمع ككل وترتفع إنتاجيته وبالتالي سترتفع الأجور‏.‏ علي أن يساير ذلك إصلاح في كل الاتجاهات‏,‏ وألا نركز هدفنا علي النقود فقط لأنها خداعة‏,‏ فقد نرفع الأجر بمعدل مرتفع لكن المحصلة ترتفع الأسعار علي الجانب الآخر وقد تفوق نسبة ارتفاع الأسعار نسبة ارتفاع الأجور‏.‏

يري د‏.‏ سعد حافظ المستشار بمعهد التخطيط القومي أنه من أجل أن توجد قوة شرائية خصوصا بالنسبة لسلع الاستهلاك الواسع فلا بد من دخل مرتفع بشكل كاف لدي الكتلة الأساسية من السكان المحليين عن طريق رفع مستويات الأجور‏,‏ وحدها الأدني بشكل خاص‏.‏ هذه الكتلة من سواد الشعب هي المستهلك الأساسي لما يطرحه الإنتاج المحلي والمنتجات الأجنبية ذات الاستهلاك الواسع‏.‏ إن هذا بدوره يخلق حوافز تؤدي إلي توسيع السوق الداخلي وتحسين الإنتاجية لمواجهة المزايا التنافسية للسلع غير الوطنية ويزيد من معدلات الادخار والاستثمار الداخلي‏.‏ أما مع الأجور الهابطة فتكون القوة الشرائية لهؤلاء محدودة للغاية‏.‏ وذلك يعني أن اقتصاد السوق نفسه لا يمكن أن ينمو بشكل طبيعي‏.‏

لقد فقدت أجرة العمل منذ زمن بعيد محتواها الاقتصادي كسعر لقوة العمل وعليه فإنه يجب النظر اليوم الي زيارة الأجور ليس كنتيجة لزيادة محتملة في إنتاجية العمل‏,‏ بل كشرط أساسي لزيادة هذه الإنتاجية‏.‏ وبدون ذلك فإن الحديث عن اقتصاد السوق غير ممكن‏,‏ ومن هنا فإن الحد الأدني للأجور الذي يضع سقفا محددا للأجر لا يهبط به دون تلبية متطلبات المعيشة الأساسية يبدو أمرا ملحا ليس من ناحية الكرامة الانسانية فقط‏,‏ بل لحاجة صاحب العمل والاقتصاد الوطني أيضا‏.‏

ويضيف الدكتور سعد حافظ أن الأجر الحقيقي يمثل علاقة بين الأجور النقدية والمستوي العام للأسعار‏,‏ وهو ما يعبر عما يمكن أن يحصل عليه الأجر النقدي من سلع وخدمات علي أساس القدرة الشرائية للنقود‏.‏ وفي السنوات الأخيرة المحصورة بين‏1995-2001‏ كانت معدلات الزيادة في الأجور أعلي من معدلات الزيادة في الأسعار دون أن يؤثر ذلك في رفع معدلات التضخم بسبب حزمة السياسات النقدية والمالية الكابحة للتضخم‏.‏ وفي خلال الفترة من‏2001‏ وحتي الآن فإن معدلات زيادة الأسعار‏(‏ التضخم‏)‏ كانت أعلي من معدلات زيادة الأجور‏,‏ الأمر الذي تمخض عنه انخفاض مستويات الأجر الحقيقي‏.‏ وإذا استمر العمل به كمنهج منتظم فإن رفع الأجور في ظل تضخم آخذ في التزايد سيزيد من معدلات التضخم من ناحية ويؤدي مجرد رفع الأجور النقدية إلي التأثير في سلوكيات المنتجين والتجار وفي رفع الأسعار كسبب مستقل عن زيادة الطلب النقدي ذاته مما يؤدي إلي أن يبتلع التضخم كل انفراجة في الأجر‏.‏إن مسألة انخفاض الرواتب والأجور ذات تأثير مزدوج علي المستثمر‏,‏ فهي من جهة تقدم يدا عاملة رخيصة‏,‏ غير أنها من جهة أخري تقلص حجم السوق الداخلية‏,‏ وتضعف مصلحة وقدرة المشتغل علي تطوير كفاءاته‏,‏ وتوجد الكثير من المطالبات والضغوط لإصلاح الرواتب والأجور‏,‏ وليس زيادتها فقط‏,‏ أي إضافة لزيادتها النسبية حسب الممكن‏,‏ لا بد من إصلاحها وتوسيع الفرق بين الحدين الأدني والأعلي‏,‏ لما يتناسب والتأهيل والتدريب والكفاءة والإنتاجية‏.‏

ويري الدكتور سمير مصطفي‏:‏ من المعروف أن السعر والأجر بمثابة حصانين لعربة واحدة‏,‏ ولن تسير هذه العربة بشكل متوازن ما لم تتناسب خطا الاثنين معا‏,‏ ولا يمكن لأي كان أن يدرس الأجر بمعزل عن السعر أو العكس فليس المهم ما يعطي للفرد من وحدات نقدية بل المهم هو كمية السلع أو الخدمات التي تمكنه هذه الوحدات من الحصول عليها فالنقود التي بين أيدينا لا قيمة لها إلا بما يقابلها من سلع وخدمات حقيقية‏,‏ من هنا كانت الأهمية الكبري لوضع سياسة أجرية تتلاءم مع السياسة السعرية القائمة‏.‏ ان هناك اتجاها محسوسا لتناقص الأجور الحقيقية في القطاعات الثلاثة‏:‏ الحكومي‏,‏ العام والخاص‏,‏ ولدينا دراسات موثقة لاتجاهات التنازل تلك‏.‏ وأن ثقافة المجتمع عبر تاريخه وأعرافه وتقاليده هي التي تحدد سلة الغذاء‏,‏ فهناك طعام للبقاء وآخر صحي‏,‏ وآخر للإبداع‏,‏ كذلك المسكن‏,‏ موضوع الحد الأدني للأجور لم نتفق عليه بعد‏.‏ كما انتقد المسلك الذي يسلكه بعض أصحاب العمل في استغلال ظاهرة البطالة بالضغط علي الراغبين في دخول سوق العمل بأجور متدنية مستفيدين من الضغوط النفسية للعاطلين‏.‏ والحقيقة أن الأسعار لدينا فالتة بشكل عام‏,‏ وفي اتجاهين متضادين‏:‏ ارتفاعا في أسعار السلع والخدمات المختلفة وانخفاضا في سعر قوة العمل‏.‏ وذلك يعني أن العدالة الاجتماعية تقتضي ضرورة قلب هذين الاتجاهين‏,‏ أي خفض أسعار السلع والخدمات ورفع سعر قوة العمل باتجاه الاقتراب من القيمة الحقيقية لكل منهما‏.‏لكن هناك نوعا من تضارب البيانات يصعب معه تحديد الأجر خاصة في ظل تضارب أرقام التضخم‏,‏ فقد أعلن وزير المالية المصري الدكتور يوسف بطرس غالي في نهاية شهر مارس الماضي‏,‏ في توقيت مبكر وغير متوقع‏,‏ عن الملامح الرئيسية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام‏2010-2011,‏ والتي يبدأ تطبيقها من اول شهر يوليو المقبل‏,‏ حيث قدم الوزير المصري مشروع الموازنة الجديد الي مجلس الوزراء‏,‏ وذكر البيان الرسمي للمجلس اتجاه الحكومة الي خفض نسبة العلاوة الدورية للعاملين في الدولة من‏10‏ إلي‏7%.‏ واتجاه الحكومة المصرية إلي خفض معدل العلاوة جاء بناء علي مؤشر قياس البنك المركزي للتضخم‏,‏ والذي يقدر بأن المعدل يصل لنحو‏7%,‏ بينما مؤشر الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين الصادر عن جهاز التعبئة والإحصاء يقدر أن معدل التضخم نحو‏8,10%,‏ إلا ان الحكومة يبدو أنها تعتمد علي مؤشر البنك المركزي‏,‏ وتوقعات صندوق النقد الدولي‏,‏ التي صدرت عن تقرير للصندوق يتوقع اتجاه معدل التضخم في الاقتصاد المصري للانخفاض خلال العام المقبل‏,‏ عكس توقعات كثير من المؤسسات المصرفية المعروفة‏,‏ والخبراء بأن يستمر التضخم في الارتفاع خلال الفترة المقبلة‏.‏ يبدو مطلب رفع الحد الأدني للأجور ضخما للوهلة الأولي‏,‏ خاصة عندما نعلم أن المطلب العمالي يدور حول‏1200‏ جنيه شهريا حدا أدني للأجور‏.‏ وإذا عرفنا أن الحد الأدني المعمول به وفقا لقرار وزير المالية‏554‏ لسنة‏2007‏ هو‏112‏ جنيها شهريا حتي نهاية السنة المالية الحالية‏(‏ أقل من‏20‏ دولارا‏),‏ أي ان الحد الأدني لأجر العامل في مصر تحت خط الفقر المدقع‏,‏ فإن ذلك يعني أن المطلب المرفوع يتضمن مضاعفة الحد الأدني أكثر من عشر مرات دفعة واحدة‏.‏ وإذا وضعنا في الاعتبار الأساس الذي بني عليه المطلب‏,‏ وهو خط الفقر الأعلي‏,‏ أي دولارين يوميا للفرد‏.‏ فإن الحد الأدني للأجور الذي يبقي العامل وأسرته علي خط الفقر لا ينبغي أن يكون أقل من‏240‏ دولارا شهريا‏,‏ أي أكثر من‏1200‏ جنيه‏.‏

د‏.‏ نجلاء الأهواني نائب مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية‏:‏
لعل أهم مسألة في الحوار الدائر اليوم بين المعنيين والمسئولين هي كيف نصوغ هذا التوجه؟ وكيف نعمل علي تطبيقه ؟ وكيف نحقق الكفاءة المطلوبة في تنفيذه؟ و ما هو البرنامج الزمني المناسب لهذا التنفيذ ؟ وقبل اختيار مستوي الحد الأدني للأجور ينبغي أولا توفير معلومات تفصيلية عن مستويات الأجور وعدد العاملين خصوصا عند أسفل مستويات الأجور‏.‏ ولكن تبقي النقطة الأهم في ضرورة ربط الأجر بالإنتاجية‏,‏ من الطبيعي أن يكون هناك حد أدني للأجور‏,‏ ومستوي هذا الأجر يتوقف علي حسابات معينة‏,‏ لكننا نري أن الإنتاجية هي الأهم حيث انها منخفضة جدا‏.‏ أين التدريب الذي ننادي به منذ سنوات‏,‏ والذي يعمل علي تخريج عمالة تتلاءم مع متطلبات سوق العمل‏.‏ ما هي العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد الحد الأدني للأجور‏,‏ أن نأخذ في الاعتبار مستوي التضخم‏,‏ إنتاجية العامل حتي لا تحدث زيادة في الأسعار‏.‏ وطالما أن الإنتاجية منخفضة فلا يمكن رفع الأجور‏.‏ فزيادة الإنتاجية لن تتأتي إلا من خلال تحسين مخرجات التعليم لتتوافق مع متطلبات سوق العمل‏,‏ وإذا كان المخرج غير مناسب بالجودة المطلوبة فالتدريب يتكفل بعلاج تدني المستوي‏.‏ كما أن دور المجلس الأعلي للأجور غير مفعل والمفروض أن يجتمع دوريا لبحث العلاوة الدورية لكن اقتصر دوره علي بحث شكاوي الشركات التي لا تستطيع دفع زيادات في الأجور‏.‏ فقانون العمل الصادر في عام‏2003‏ ينص علي تأليف مجلس قومي للأجور يختص بتقرير الحد الأدني للأجور ورفعه ليواكب تكاليف المعيشة‏,‏ وهو ما لم يحصل علي مدار سبع سنوات‏.‏ أين هي الدراسات التي خرجت عن المجلس الأعلي للأجور والتي تربط بين دراسة الأجور والمتطلبات الاقتصادية المرتبطة بحركة الأسعار والتضخم ومستويات الدخل والمعيشة وحد الفقر‏.‏ وليست هناك مشكلة في تمويل رفع الحد الأدني للأجور إذا ما اتبعنا سلوك التقشف في الإنفاق علي الكثير من بنود الإنفاق غير المبرر علي الكماليات‏.‏

د‏.‏ عادل هادي نائب مدير الجامعة الأمريكية ومدير برنامج العلوم الاكتوارية في الجامعة‏:‏ الحد الأدني للأجور في حاجة إلي دراسة دقيقة وليس الاسترسال في القنوات الفضائية‏,‏ فلو رفعنا الحد الأدني للأجور ستؤدي إلي رفع كل الأجور في المستويات المختلفة والأسعار أيضا ومن ثم سيرتفع التضخم‏.‏ كما يجب رفع مستوي الأجور لتقليل الفقر‏.‏ إن انخفاض مستويات الأجور تضيق السوق الداخلية‏,‏ وتسبب الركود الاقتصادي وتضيق فرص الاستثمار‏,‏ وتؤدي لتدهور الفئات الوسطي في المجتمع‏,‏ وتؤدي لاستقطاب المجتمع بين فئتين غنية وفقيرة‏.‏ كما يعاني نظام الرواتب والأجور في القطاعات الحكومية المختلفة من ضيق الفارق بين الحدين الأعلي والأدني‏,‏ مما لا يخلق تمييزا يتناسب مع فروقات التعليم والتأهيل والكفاءة‏,‏ ولا يحفز علي العمل وتحمل المسئولية‏,‏ ويؤدي إلي هروب الكفاءات‏.‏

وعلي الرغم من توقعات تراجع التضخم في الاقتصاد المصري خلال العام الحالي‏,‏ وبقدر الانخفاض الذي حدث علي الأسعار العالمية‏,‏ فإن أسعار السلع المحلية بالسوق المصرية لم تنخفض بنفس القدر‏.‏

والحد الأدني للأجور ليس هو متوسط الأجور‏.‏ والأولوية في مجتمعنا يجب أن تكون للتعليم‏,‏ فالتعليم هو الذي يجب أن يقود المجتمع‏.‏وعلينا أن نواجه المشاكل بحلول جذرية‏.‏كما أري أن المشكلة ليست في زيادة السكان بقدر ما هي إهدار للموارد البشرية‏.‏

د‏.‏ سمير عبد الوهاب‏-‏ مدير مركز دراسات الإدارة العامة بجامعة القاهرة‏:‏ لاشك أن الأجور بصفة عامة غير متناسبة مع مستوي المعيشة وارتفاع الأسعار‏,‏ وارتفاع الحد الأدني للاجور له انعكاسات سلبية‏,‏ حيث سيؤدي إلي ارتفاع الأسعار لأنه غير مرتبط بزيادة الإنتاج وبالتالي سترتفع الأسعار‏,‏ وسيكون أول المتضررين هم الذين ارتفعت رواتبهم‏,‏ والنقطة الأهم هو إعادة النظر في الأجور بصفة عامة‏,‏ حيث انها غير مرتبطة بمستوي المعيشة‏,‏ وغير مرتبطة بالأعباء الوظيفية‏,‏ حيث ان الأجور تعطي علي اعتبارات شخصية أكثر منها للاعتبارات الموضوعية وهي مرتبطة بتسعير الشهادات‏,‏ وهناك تفاوت في الأجور ما بين الجهات الحكومية المختلفة داخل الجهاز الإداري‏,‏ وما بين الإدارات والهيئات‏,‏ حيث يبدو أن كل جهة لها أجور خاصة بها‏,‏ وهناك أيضا تفاوت في الأجور داخل الجهة الواحدة‏,‏ خاصة في إطار ما يسمي بالمكاتب الموازية داخل الوزارات حيث هناك أفراد يتمتعون بأجور مختلفة عن باقي الموظفين‏,‏ حتي لو كان هؤلاء الموظفون أقدم منهم‏.‏

فالمطلوب تحقيق العدالة في الأجور ما بين الهيئات الحكومية أو في داخل الجهة الحكومية الواحدة‏,‏ والمطلوب أن تكون الأجور مرتبطة بالأعباء الوظيفية‏,‏ وليست بالشهادة أو بالأفراد‏.‏ وهذا سيحقق وفرا ماليا وسيؤدي إلي الشعور بالعدالة في داخل الهيئات الحكومية‏.‏ ولابد من توافر الضوابط المختلفة بحيث لا يؤدي ارتفاع الأجور إلي ارتفاع في الأسعار يلتهم معه تلك الزيادة‏.‏ وبالنسبة للقطاع الخاص سيؤدي رفع الحد الأدني للأجور إلي رفع الحد الأني للقطاع الخاص‏,‏ لكن هل يوجد ما يضمن ألا يتحكم القطاع الخاص في موظفيه من خلال التهديد بالفصل أو تخييرهم ما بين الأجور العادية أو يترك العمل‏.‏ فإذا كانت الحكومة بالفعل تتجه لزيادة الحد الأدني للأجور يجب أن يكون في إطار رؤية شاملة بما لا يؤدي إلي تأثر الأشخاص المستهدفين من رفع الأجور بارتفاع الأسعار‏.‏

د‏.‏ ضحي عبد الحميد أستاذ زائر لتقييم السياسات العامة بجامعة كارلتون وعضو المجلس التنفيذي للرابطة الدولية لتقييم التنمية‏:‏ لقد قمت بإعداد دراسة بمشاركة مع الدكتورة ليلي البرادعي استاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حول إصلاح نظام الأجور‏.‏ وأن مصر‏.‏ ومتخالف‏7‏ اتفاقيات دولية‏,‏ كانت قد وقعت عليها في منظمة العمل‏.‏

وتوصلنا إلي أن هناك عدة سيناريوهات لإصلاح أجور العاملين في الحكومة‏,‏ تتسم كلها بالعدالة وإمكانية التطبيق والشفافية والاستقرار كما أخذت في اعتبارها تجارب‏35‏ دولة في هذا المجال‏.‏

السيناريو الأول يطرح تعديل جدول المرتبات أخذا في الاعتبار معدل التضخم ونمو الناتج المحلي المعلن مع حساب الأثر علي الموازنة العامة للدولة‏..‏ والثاني يتبني تعديل المرتبات علي أساس معدل الفقر للفرد علي المستوي القومي والذي يقدر بنحو‏660‏ جنيها أخذا في الاعتبار معدل التضخم ومعدل نمو الناتج المحلي المعلنين وحساب اثر ذلك علي الموازنة‏..‏ والثالث تعديل جدول المرتبات علي أساس الحد الأدني لسلة الاحتياجات الأساسية للفرد علي المستوي القومي ومعدل الإعالة ويقدر الحد الأدني بنحو‏912‏ جنيها وفقا لهذه السلة‏.‏ أما السيناريو الرابع والأخير فيأخذ في اعتباره تحديد جدول المرتبات علي أساس الحد الأعلي لسلة الاحتياجات الأساسية للفرد علي المستوي القومي والذي يقدر بنحو‏9‏ آلاف جنيه مع الأخذ في الحسبان معدلي التضخم والنمو المعلنين وحساب الأثر علي الموازنة العامة للدولة‏.‏

وتشير الدراسة الي أن السيناريو الثالث الذي يقوم علي أساس الحد الأدني لسلة الاحتياجات الأساسية للفرد علي المستوي القومي والذي يبلغ فيه الحد الأدني للأجور‏1040‏ جنيها والحد الاقصي‏4658‏ جنيها لا يبعد كثيرا عن مخصصات الأجور في الموازنة فبينما تبلغ هذه المخصصات‏77.2‏ مليار جنيه يصل في ظل هذا السيناريو الي‏88.1‏ مليار مما يعني امكانية تطبيقه إذا ما وجودت الموارد اللازمة للتمويل لسد الفجوة في المخصصات‏.‏ هناك آليات كثيرة يمكن من خلالها رفع الحد الأدني وتغيير نظام الأجور بلا تضخم من خلال ترشيد الإنفاق من جانب كبار الدولة والوزراء مثل السيارات الفارهة وتكلفة تأثيث المكاتب والحد من الفساد علي كل مستوياته وإدارة أفضل لأصول وموارد الدولة ووضع حد اقصي لإجمالي الأجر الحكومي والتأكيد علي ان الموارد المتحققة في بعض القطاعات في الدولة ليست حكرا علي العاملين بها مثل مصلحة الضرائب وقطاع البترول وقناة السويس وتطبيق أفضل لقانون الضرائب خاصة علي الفئات ذات الدخل المرتفع وتطبيق فعال للضرائب العقارية الجديدة وتوفير فرص الخروج علي المعاش المبكر وتجميد التعيينات أو الالتزام بعدد محدد في حالة الحاجة والاعتماد بدرجة أكبر علي التعاقد الخارجي لأداء المهام الحكومية وتقديم تأمينات بطالة وتوفير تأمين اجتماعي وصحي للعاملين بالقطاع الخاص والقطاع غير الرسمي وإنشاء نظام لتيسير استقطاب وتعيين العمالة المستغني عنها لدي شركات القطاع الخاص بعد بناء قدراتهم وفقا لاحتياجات سوق العمل‏.‏ وإنشاء المشاريع الزراعية والصناعية التي تولد الدخل الحقيقي‏,‏ إعادة تدريب الموظفين علي مستوي الحكومة المركزية علي أساس واضح لإدارة الموارد البشرية‏,‏والتسع في التدريب التحويلي لتمكين نقل العاملين من مناطق الفائض إلي مناطق العجز وتعزيز العلاقة بين سوق العمل الاحتياجات‏,‏ ونظم التدريب والتعليم‏.‏والمزيد من الاعتماد علي التعاقد في الوظائف الحكومية غير الأساسية‏,‏ مثل النقل‏,‏ خدمات المطاعم والتنظيف والبستنة‏,‏ وتصليح السيارات‏,‏ وملكية المباني وخدمات الصيانة‏.‏وزيادة رسوم قناة السويس وفرض ضرائب تصاعدية علي الدخل الشهري فوق ال‏5000‏ جنيه شهريا ومنع التهرب من الضرائب‏,‏ وفرض ضرائب تصاعدية علي الشركات والمصانع المنتجة للسجائر‏.‏

وتطالب د‏.‏ ضحي بدمج العلاوات الدورية والبدلات في الأجر الأساسي ووضع سقف لاجمالي الأجر الحكومي مشيرة الي ضرورة إعداد خطة مقسمة الي مراحل لتعديل الحد الأدني للأجور تكون البداية فيها رفع الحد الأدني ليغطي علي الأقل الخط القومي للفقر ليصل الي‏660‏ جنيها أو‏912‏ جنيها وفقا لتقدير الاحتياجات الاساسية مع الرفع كل فترة للحد الأدني للأجور ليتواكب مع نسب التضخم والنمو حتي نصل الي السيناريو المقبول لتعديل الاجور مع السماح بقدر أكبر من التفاوض الجماعي لتحديد الحد الأدني لضمان نظام مستدام للتعديل المستمر والتفكير في حفض مدفوعات التأمينات الاجتماعية لتخفيف العبء عن الحكومة والموظف‏.‏

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

تأمـــلات ســياســية فى الشــأن المصـــــــــرى

كتب : سيد يوسف
(1)
حين يتبوأ الصبية مراكز صنع القرار
لم تعد الرياضة فى بلادنا وربما فى غيرها تهذيبا وأخلاقا، ومرد هذا الانحدار عندى: الفقر والكبت السياسى لا سيما وأن وراء هذا التعصب إعلام سفيه، وصبية من الساسة الذين لا يعرفون قيمة أوطانهم وتراث أمتهم فباتوا يوعزون إلى سفهاء الإعلام بتزكية هذا التعصب الذى بات
يهدد المواطنين فى أرواحهم ويقطع سبل أرزاقهم بدعوى أن الطرف الآخر هو الذى بدأ بالتعصب وعلى الباغى تدور الدوائر وهو منطق معوج مبعثه عقلية طفولية وصبية لا يحسنون فهم الواقع ومصالح البلاد...ولست أتحدث عن ألفاظ هؤلاء الصبية فهى فى مجملها ألفاظ حسنة لكنى أتحدث عن أفعال هؤلاء الصبية وتخليهم عن صنع فعل يحفظ لمواطنينا كرامتهم ويحفظ لمصرنا سمعتها.


(2) علينا التبرير وليس علينا الإقناع
مما يؤلم النفس أن ترى مبررات الصبية عن الأخطاء أو الكوارث التى حلت بنا إنما هى مبررات تافهة تحدث ردود فعل على غبائها ينسى بعض الناس الكارثة نفسها ليتحدثوا عن غباء التبرير وكأن شعار هؤلاء " علينا التبرير – الغبى- وليس علينا إقناع الناس فمسألة اقتناع الناس عادة لا تهمنا" ومثال ذلك ما ساقه هؤلاء الصبية من شعارات كاذبة : " من أجلك أنت" ومن أرقام كاذبة عن تحسن أحوال الوطن والمواطنين بدعوى زيادة استهلاك السيارات والهواتف النقالة!! وتناسوا بغباوة رائعة أننا فى القرن الواحد والعشرين ولدينا أمراض الكوليرا والتيفود والدرن ومياه ملوثة وقمامة تزكم الأنوف وتؤذى العيون وأننا كدولة وقفنا مرارا ضد قناة فضائية وحزب تابع لدولة وسارع أعلامنا الذى فقد أخلاقياته فى حرب قميئة من أجل مباراة للكرة بين شعبين طالما كانا شقيقين.

(3) البحث عن مشروع قومى
شهد القاصى والدانى أثناء الحشد الإعلامي لمباراة مصر والجزائر أن المصريين يحتاجون لمشروع قومى يلتفون حوله ويثير مشاعر حب الأوطان فيهم ويحثهم على العمل والإنتاج شريطة ألا يكون فى الأمر تزوير أو ضبابية ...أما وقد يتساءل بعض الحمقى من مسئولينا عن ماهية هذه المشاريع أو دحض الفكرة بأننا لسنا فى زمن الستينيات أو ربما جهلا بنوعية تلك المشاريع أو العقم عن تقديم مقترحات فاعلة لمشاريع يمكن أن يلتف حولها الناس نورد عناوين لبعض تلك المشروعات عل الكسالى أو أولى الأمر يتحركون: نريد حلولا جادة لمشكلات كالإسكان أو التعمير أو الطاقة النووية أو صناعات المعدات الثقيلة أو وضع دستور يدعو للإصلاح الحقيقى ...صحيح إن المشاريع تروح وتجيء والانتماء لا يرتبط بداهة بالمشاريع وإنما بالوطن إلا أن تحديد بوصلة الانتماء عبر مشروعات تخدم بلادنا وترفع من نهضتها بات من الأمور التى تفرزها كل يوم فرحة الناس فى بلادنا بالانتصارات الكروية على الأقل...وهو ما يدعونا لسد ذلك الفراغ بأساليب جادة لا هزلية.

مصر ليست في حاجة لرئيس بديل ..... وتحتاج لإدارة انتقالية

كتب : محمد عبدالحكم دياب
الجماعات السياسية والقوى الوطنية والقومية والإسلامية المصرية مشغولة في البحث عن رئيس بديل لكل من الرئيسين الحاليين.. الرسمي والفعلي. وذلك في سياق محاولات قطع الطريق على مخطط التوريث الذي هيأت له أجهزة الدولة والحزب الحاكم فرص المرور والعبور. وأجهزة الدولة والحزب تخضع في إدارتها لتكتل أصحاب المليارات.

وهو في أغلبه وافد وثرواته ومشروعاته مجهولة المصدر، وغير معلومة الأصل. وهذا الانشغال تقف وراءه نوايا طيبة كثيرة. وقد يؤدي إلى تأجيل التوريث، فتتهيأ له فرص أفضل وأنجع. ومن بين أصحاب النوايا الطيبة من يرى أن نار التمديد للأب أخف ضررا من جنة الابن. والتمديد ينشأ ويترعرع في نفس البيئة التي نشأ وترعرع فيها التوريث. ألغت النظام الجمهوري وجعلت منه نظاما عائليا، ومن خلق هذه البيئة وصاغها

كان وما زال مبارك الأب، وما كان للإبن أن يتشبث بطموحه المريض في الوراثة لولا ما قام به الأب وإجراءاته وقراراته، فتورطت عائلة مبارك بكاملها في خطيئة لا يغفرها الله ولا التاريخ. التمديد للأب يعني القبول بتوريث مؤجل إلى حين، حيث يبقى الابن رئيسا فعليا، ويزداد نفوذه، وتتسع دوائر تحالفاته الداخلية والخارجية.
والمصريون المحاصرون بخيارات تسد في وجوههم أبواب ومنافذ التداول والتغيير السلمي يدورون في دوامة اقتراحات ومشروعات تتعامل مع مشكلة الرئيس البديل كأنها مجرد وظيفة شاغرة تحل بمجرد إيجاد الشخص المناسب وقبوله. مع أن الأزمة أعمق من هذا بكثير. لا تنفرج بوجود الشخص أو بقبوله، والمشكلة هي ذلك المنطق المتهافت، الذي لا يعترف بغير مبارك الأب أو الابن، ويمنع أي أحد من الاقتراب من منصب الرئيس أو نائبه. ويقوم هذا المنطق على سحب الجدارة من جموع الشعب بقواه وفئاته وطبقاته. فمبارك الأب هو الذي أوحى للوجدان العام بعدم صلاحية المصريين، دون استثناء لمنصب الرئيس أو نائبه. وقد نشرنا من سنوات على هذه الصفحة ما جاء على لسان حسني مبارك في زيارة له للندن في تسعينات القرن الماضي. فحين سئل عن سبب عدم تعيين نائب له رد قائلا: 'مش لاقي واحد قلبه على مصر' واستمسك برأيه إلى أن اكتشف أن هناك واحدا لا غيره 'قلبه على مصر'. وتغيرت قناعات مبارك الأب، بعد أن عثر على 'واحد قلبه على مصر'. وكانت المفاجأة أن هذا الواحد هو ابنه الأصغر. وهو وإن لم يعينه في منصب نائب الرئيس. فقد سلمه الرئاسة، وأصبح في مكانة فرعون الذي قال: 'لي أرض مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي' يشاركه الغنيمة جيش جرار من المليارديرات يتميزون بأن 'قلوبهم على مصر' هم الآخرون. حصلوا على مصر كاملة، وأخذوا ما لم يحلم به أحد، أو خطر على قلب بشر، أو جرؤ عليه مسؤول من قبل.
وإذا كان منطق 'مش لاقي واحد قلبه على مصر' أنتج التوريث. ففي المقابل نجد أن ما هو مطروح من قبل القوى المطالبة بالتغيير قد لا يغير من الأمر كثيرا، إذا لم يأت مصحوبا بآليات تساعد في تنفيذه. إذ لا تكفي الوقفات الاحتجاجية أو الشعارات المعبرة، مهما كانت بلاغتها وحماسة الهاتفين بها. والمطلوب هو أن يصل الحراك الوطني الرافض للتوريث إلى عمق القواعد الجماهيرية، ولا يبقى محصورا في النطاق النخبوي. ورفع مستوى الوعي بأن المطلوب نظام جديد وليس رئيسا بديلا. فقد انتهى النظام الجمهوري الرئاسي إلى صلاحيات شبه مطلقة لحاكم فرد. فعل بمصر ما لم يفعله الاحتلال بها. وترتب على ذلك تلاشي الجمهورية وتحولها إلى النظام الوراثي، الذي نشهد ترتيباته. والنظام البديل الأفضل هو النظام الجمهوري البرلماني. تنكمش فيه صلاحيات الرئيس، فهو يستمد قوته من البرلمان، ومن توازن السلطات والفصل بينها، ومن إنهاء هيمنة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية على باقي السلطات والمؤسسات. والنظام البرلماني ليس بدعة أو خطر يهدد مصالح المصريين. ومشكلته أنه يحتاج لبيئة ديمقراطية نظيفة، ومناخ للحرية غير ملوث. وإن لم تؤد المقدمات المتداولة في سوق التغيير إلى نتائج في مستواها. فلن تتوفر البيئة المناسبة لإقامة النظام البديل فسوف يعيش الناس عقودا أخرى من الانتظار والتيه.
المطلوب إذن إنضاج صيغة تؤسس لذلك النظام البديل، ونرى النواة في إدارة انتقالية تقوم على أوسع تمثيل للقوى الاجتماعية والسياسية والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية والمسيحية والمستقلة. وبذلك تكون تعبيرا عن رغبات ومطالب جموع الشعب المحجور عليها. بفعل أن ليس بينها 'واحد قلبه على مصر'. وهذه المقولة ألغت شعبا يقدر حاليا بثمانين مليون نسمة من الوجود. واستعادة هذا الوجود مرة أخرى ممكن إذا ما ارتكز على الحصيلة التي صنعها الحراك الوطني عبر السنوات الخمس الماضية. وذلك بأن تستخلص منها الإدارة الانتقالية المقترحة القواسم الجامعة بين الفئات والقوى والطبقات على اتساعها. وأن تتيح الفرصة أمامها للمشاركة الحقيقية في صياغة النظام الجديد. وتستفيد من هذه القواسم الجامعة في إعداد برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، وبلورة دليل عمل يرشد ويوجه النظام الجديد.
التهافت مستمر بالدعوة لتغيير مادة دستورية هنا وفقرة قانونية هناك. وكشف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد في صحيفة 'الشروق' القاهرية مؤخرا خداع هذا التهافت، وفخ الاحتجاج بالدستور والاعتماد عليه سبيلا لخروج مصر مما أسماه أزمة الركود السياسي ، ورأى أن التسليم بأحكام الدستور الحالي يعني استحالة تداول السلطة ، وهذا صحيح لأنه يعني غلق الباب نهائيا أمام ظهور نظام جديد، ولن يغير من الأمر كثيرا، وهذا يجعل من الإدارة الانتقالية أكثر ضرورة. فعلى عاتقها تقع مسؤولية إيجاد البيئة الديمقراطية المناسبة، لتغيير النظام بشكل سلمي. وقد تبدأ هذه الإدارة عملها اعتمادا على مبادئ دستورية انتقالية إلى أن تتهيأ الظروف لانتخاب جمعية تأسيسية تعد دستورا جديدا ودائما يُخرج مصر بشكل آمن من محنتها الحالية . ومن الممكن أن تتكون الإدارة الانتقالية من مئة عضو أو أكثر.
يمثلون تحالفا عريضا لقوى وفئات وطبقات الشعب، الموزعة على الأحزاب والنقابات المهنية . للمهندسين والأطباء والمحامين والصحافيين والتجاريين والتطبيقيين . وأندية القضاة والأكاديميين. وكذا نقابات العمال، والاتحادات الزراعية والإنتاجية. وجمعيات الحرفيين والصناعات اليدوية والتقليدية، واتحادات الطلاب والشباب ، وجمعيات واتحادات المرأة، غير التابعة للإرساليات الأجنبية وجماعات التبشير . ومنظمات وجمعيات النشاط الأهلي غير الممولة من الخارج وروابط وجمعيات العاملين في الإعلام والثقافة والأدباء والكتاب، بجانب ممثلي الصناعة الوطنية من خارج اتفاقيات الكويز، ومن غير وكلاء الاحتكارات الداخلية أو الخارجية. بالإضافة إلى تمثيل الجماعات الجديدة، مثل كفاية و9 مارس و6 ابريل. بهذا التمثيل الواسع يتوفر لهذه الإدارة الانتقالية قاعدة اجتماعية وسياسية وجماهيرية مؤثرة وقوية، وبيئة نظيفة لنظام نظيف.
ونأتي إلى مشكلة الحالة الحزبية والسياسية، ولسوف نجد أن الجماعات الحزبية والسياسية المصرية تنقسم إلى عدة أنواع.. النوع الأول.. جماعات تخلت نهائيا عن الانتماء الوطني وتماهت في المشروع الصهيو غربي. وتعمل على عدة محاور. أهمها المحور الإقتصادي. المحكوم باتفاقية الكويز، وشروط الاستثمارات الصهيونية المصرية المشتركة، وأولويات التعامل. حيث تعطى الأولوية لدعم الصناعات الصهيونية والمستوطنين على حساب المواطنين المصريين. وهذا هو سر مد تل أبيب بالغاز الطبيعي بسعر رمزي، لتشغيل المصانع المدنية والعسكرية، ومنحها الأسمنت وحديد التسليح بثمن رخيص لبناء المستوطنات وإقامة جدار الفصل العنصري بينها وبين الفلسطينيين. والمحور السياسي محكوم بالأجندة الغربية في الحرب على الإرهاب، بمعنى تصفية المقاومة وحصارها وتجفيف منابعها المالية والعينية والتسليحية. إبقاء على الاستيطان وتوفير الأمن والحماية للمستوطنات والمستوطنين. مع عداء مستحكم للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وعدم نصرة المقاومة العراقية.
ويرتكز المحور الثقافي على بث قيم الفتنة والتقسيم والصدام، واعتماد الأيديولوجية الانعزالية، لتزكية الشوفينية والتعصب، وتم ضبط نشاط هذه الجماعات والأحزاب الثقافي والإعلامي على البوصلة الصهيونية. وتركز على التحريض المستمر ضد العرب والمسلمين والأفارقة ومواطني العالم الثالث. وعقل سياسي وحزبي بهذه المواصفات وجد تجسيده في لجنة جمال مبارك، المعروفة بلجنة السياسات عقب استيلائها على الحزب الحاكم، وأضحت جهاز التخطيط والتوجيه الوحيد فيه. وضمت رموز التطبيع والكويز وشركاء المشروعات الصهيونية، ومعهم مروجو الثقافة الصهيونية. وهي مواصفات تسقطها هي وحزبها من الحسابات الوطنية وحسابات التغيير المرتقب.
والنوع الثاني جماعات صغيرة، رديف للحزب الحاكم. وكلها تنتمي إلى الليبرالية الجديدة. وهي غير ليبرالية حزب الوفد الوطنية. أحزاب ليست وحدها. تجد التأييد والمساندة من أفراد وجماعات بعضها منتسب لجمعيات أهلية ومؤسسات صحافية وإعلامية، مثل جمعية جيل المستقبل، وبعضها الآخر يعمل في مركز الدراسات الوطنية. وجمعية جيل المستقبل ومركز الدراسات الوطنية كيانان يديرهما جمال مبارك بشكل مباشر، وبالقرب من هؤلاء عناصر عاملة وفاعلة في إدارة مؤسسة الأهرام وعدد من مطبوعاتها وفي مركز الدراسات الاستراتيجية فيها. بجانب آخرين أعضاء ومسؤولين في جمعيات أهلية لها طابع سياسي وحقوقي تمول من منظمات ومؤسسات أوروبية وأمريكية وصهيونية. وتستقوي بالإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدولة الصهيونية، ويحتل المستوطن الصهيوني في عرف هذه الجماعات مكانة خاصة ومتميزة. وهي مكانة الشخص الأولى بالرعاية، والأقرب إليهم من مواطنيهم وأشقائهم وجيرانهم وأصدقائهم، وعدد من الليبراليين المصريين الجدد يدير ويعمل في مؤسسات لقياس الرأي العام وشركات العلاقات العامة والإعلان، وهؤلاء لا يختلفون عن الحزب الحاكم وينطبق عليهم ما ينطبق عليه.
النوع الثالث جماعات ضعيفة ومحاصرة وعاجزة مع أنها تمثل تيارات رئيسية ويمثلها أحزاب الوفد والناصري والتجمع والوفاق القومي والعمل الإسلامي المجمد. وهي جماعات رغم ضعفها معنية برفض التوريث وتغيير الحكم الحالي، ويجب استيعابها في الإدارة الانتقالية المقترحة. وهناك نوع رابع وأخير لجماعات لها حضور لكن لا تحمل ترخيصا ولم تنل موافقة لجنة الأحزاب، ونموذجها حركة الكرامة العربية وحزب الوسط الإسلامي واستيعابهم ضروري في الإدارة الانتقالية كذلك. وهذا العرض السريع كشف أن جماعات النوعين الأول والثاني غير جديرة بالتمثيل في الإدارة الانتقالية، لتناقض الأهداف والمصالح والتحالفات، وعدائها المفرط للمصالح الوطنية، وخطرها الكبير على التماسك السياسي والمجتمعي.
والبداية تنطلق من الاتصال برموز القوى والفئات والطبقات، الموزعة على الأحزاب والنقابات والأندية المهنية والعمالية والفلاحية والشبابية، التي عرضنا لها في موضع سابق من هذا المقال. مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة. ويمكن إثراء الفكرة بعودة تناولها والكتابة عنها مرة أخرى.

دراســــة....... مستقبل نظام الحـــكم فى مصــــــــــر

بقلم : د।حسن نافعة
- بحث فى الإشكالية الراهنة

عن يبدو أن مصر على وشك الدخول فى حالة حراك سياسى من المتوقع أن تستمر طوال عامى ٢٠١٠ و٢٠١١، وأن تكون مختلفة كليا حالة الحراك التى شهدتها خلال السنوات الأخيرة والتى كانت قد بلغت ذروتها عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٦.

كانت حالة الحراك السابق قد بدأت فى شكل حركة احتجاجية فى مواجهة سلطة راحت تشيخ فى مواقعها ونظام حكم بدا متكلسا وعاجزا عن التكيف مع قوى سياسية واجتماعية جديدة لم يعد قادرا على استيعاب طموحاتها أو الاستجابة إلى مطالبها المشروعة فى المشاركة. لذا لم يكن غريبا أن ترفع هذه الحركة الاحتجاجية شعار «كفاية» فى مواجهة رئيس الدولة، وأن تطالب بإدخال تعديلات دستورية جذرية تستهدف إقامة نظام تعددى حقيقى يسمح بتداول فعلى للسلطة، عن طريق الاحتكام إلى انتخابات حرة نزيهة يشرف عليها قضاء مستقل وتجرى تحت رقابة فعالة لمؤسسات المجتمع المدنى على الصعيدين المحلى والدولى.

ولأن حراك الداخل تزامن مع ضغوط خارجية تطالب هى الأخرى بالإصلاح السياسى، لأسباب ودوافع مختلفة، فقد أحس النظام الحاكم وقتها بأنه بات محاصرا بين مطرقة الخارج وسندان الداخل وأصبح مضطرا لتقديم استجابة من نوع ما، غير أنها جاءت مراوغة كما كان متوقعا.

فقد وافق النظام الحاكم على إدخال تعديلات دستورية واسعة النطاق تستجيب شكلا لمطالب الإصلاح السياسى لكنها تفرغه من أى مضمون حقيقى بل وتزيد من مظاهر استبداده فى واقع الأمر!.

ولأن قوة الدفع التى تمتعت بها الحركة الاحتجاجية فى الداخل راحت تضعف بالتزامن مع الانحسار التدريجى للضغوط الخارجية، لم يكن مستغربا أن يتمكن النظام الحاكم فى النهاية من استيعاب هذه الجولة من الحراك السياسى ومن تغييرها لصالحه.

أما جولة الحراك المتوقعة قريبا فسوف تجرى فى سياق يبدو مختلفا تماما. ولأن الساحة الداخلية تبدو خالية حاليا من أى حركة احتجاجية قادرة على التأثير، فضلا عن أن الساحة الخارجية تبدو عازفة عن ممارسة أى ضغط للإسراع بعملية التحول الديمقراطى، فمن المتوقع أن يكون الحزب الحاكم نفسه هو مركز الحراك السياسى ومفجره فى المرحلة المقبلة، وهنا تكمن المفارقة!.

فمن الواضح أن التيار الملتف حول جمال مبارك بدأ يكثف من ضغوطه للإسراع بوضع اللمسات الأخيرة على مشروع التوريث. ولأن هذا التيار لم يدرك، إلا مؤخرا، أن مشروع التوريث غير قابل للتحقيق إلا فى حياة الرئيس الأب وبرضاه، فقد بدأ يلح، بل ويضغط، للحصول على موافقة الرئيس الأب على عدم خوض انتخابات الرئاسة عام ٢٠١١، وعلى أن يكون جمال هو مرشح الحزب فيها.

ولوهلة بدا هذا التيار فى عجلة من أمره لدرجة أنه لم يتردد فى الترويج لإشاعة حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة تستهدف إعداد المسرح نهائيا وليكون مجلس الشعب القادم على مقاس الرئيس الجديد وجاهزاً للتعامل مع أجندته!.

ورغم أن الرئيس مبارك بدا غير متحمس لهذا الاستعجال، وربما غير مستريح له بدليل إحباطه لمناورة حل مجلس الشعب، فإنه لم يقرر فى الوقت نفسه حسم موقفه من قضية الترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة وترك الباب مفتوحا أمام جميع الاحتمالات.

لذا فمن المرجح أن يصبح الصراع المتوقع والمكتوم داخل الحزب الحاكم حول قضية التوريث هو المفجر لفتيل الحراك السياسى المتوقع فى المرحلة المقبلة ومحوره الرئيسى.

وأيا كان الأمر فمن الصعوبة بمكان تصور إمكانية قيام مبارك الأب بإخلاء موقعه الرئاسى قبل انتهاء فترة ولايته الحالية أو حتى إحجامه عن الترشح لفترة رئاسية جديدة عام ٢٠١١. ولأن انتخابات الرئاسة القادمة، إن جرت فى موعدها، ستتم أثناء تولى الرئيس مبارك للسلطة فليس من المتصور، عقلا، أن يقبل الرئيس، أخلاقيا، تحمل مسؤولية إجراء انتخابات رئاسية فى عهده تسفر عن تنصيب ابنه خلفا له أو يحتمل مشهد انتقال السلطة منه إلى ابنه مباشرة فى نظام جمهورى،

لذا أرجح أن يظل مبارك الأب فى موقعه كرئيس للبلاد إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، وهو السيناريو الذى يبدو على أى حال أن أغلبية الشعب تفضله إذا لم تجد أمامها من خيار آخر سوى المفاضلة بين مبارك الأب ومبارك الابن!

أما فى حال خلو موقع الرئاسة لأى سبب قهرى، لا قدر الله، فستصبح البلاد كلها أمام مشكلة بالغة التعقيد سواء حدث ذلك الإخلاء قبل عام ٢٠١١ أو بعده. فمن ناحية، يستحيل على أى مرشح من خارج الحزب الوطنى أن يفوز فى الانتخابات الرئاسية القادمة ما لم يتم تعديل الدستور مرة أخرى، وهو أمر غير وارد أصلا فى الظروف الراهنة.

ولأن اختيار مرشح آخر للرئاسة من بين صفوف الهيئة العليا للحزب سيفتح الباب أمام صراعات لا أول لها ولا آخر، فمن الواضح تماما أن جمال بات هو الخيار الوحيد المتاح لشغل مقعد الرئاسة فى ظل الأوضاع القائمة حاليا.

يدرك القاصى والدانى أن نظام الحكم فى مصر لا يحتوى على أى قدر من الشفافية يسمح بمعرفة ما يجرى فى داخله، لذا ليس أمامنا كمحللين سوى استنتاج ما يدور داخل غرفه المغلقة.

وفى حدود المعلومات المتاحة حاليا يبدو أنه صراع حاد، لكنه مازال مكتوما، بدأ بالفعل داخل صفوف الحزب الحاكم بين من يتعجلون وصول جمال إلى موقع الرئاسة ومن يعتقدون أن الوقت لم ينضج بعد لخطوة من هذا النوع لاتزال تنطوى، فى اعتقادهم، على مخاطرة كبيرة. ولأنه ليس لدى الجناح المطالب بالتأنى بديل آخر سوى الانتظار، وهو ما يعنى تأجيل المشكلة وليس حلها، فضلا عن أنه يصعب على القوى والأحزاب والحركات الاجتماعية خارج الحزب الوطنى أن تقف متفرجة على ما يجرى، فمن المتوقع أن يشهد عاما ٢٠١٠ و٢٠١١ مناورات واسعة النطاق تستهدف حسم سيناريو التوريث بأقل الأضرار.

فى سياق كهذا من المتوقع أن تسبق الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها فى نوفمبر من العام القادم محاولات مستميتة لعقد صفقات مع كل الفصائل السياسية التى تبدو على استعداد لتقليص عدد النواب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب القادم، وزيادة عدد ممثلى الفصائل الأخرى، كل حسب ثقله ووزنه ومدى استعداده للتعاون لضمان إخراج الانتخابات الرئاسية القادمة بطريقة تجعلها تبدو قابلة للتسويق كانتخابات طبيعية وحقيقية!.

لكنى أظن أن اللعبة باتت مكشوفة إلى الدرجة التى يصعب معها إقدام فصائل المعارضة على صفقات من هذا النوع إلا إذا كانت تنوى الانتحار سياسيا أو باتت مقتنعة تماما بأنها لم تعد تصلح سوى لأدوار الكومبارس أو الواجهة. وأظن أيضا أن انكشاف قواعد اللعبة إلى هذه الدرجة سيدفع حتما بقوى سياسية واجتماعية جديدة لتصدر المشهد السياسى فى الجولة القادمة من جولات الحراك الوشيك.

لذا نعتقد أن النظام الحاكم فى مصر دخل مفترق طرق جديداً بعد أن ضاقت الخيارات المتاحة أمامه. فلأول مرة فى تاريخ النظام السياسى المصرى يدفع الشعب دفعا للاختيار بين أمرين كلاهما مر. الأول: بقاء رئيس تجاوز الثمانين من عمره فى منصبه وإعادة انتخابه لفترة ولاية سادسة تنتهى وهو على مشارف التسعين.

والثانى: إجبار الشعب على اختيار الابن خلفا للأب بعد تجفيف كل منابع الاختيار الأخرى. الخيار الأول معناه أن الابن سيحكم البلاد من وراء ستار، فى مخالفة واضحة للدستور، والثانى معناه أن مصر باتت مجبرة على أن يحكمها رجل فى منتصف الأربعين ينتمى لنفس النظام الذى حكمها لمدة ثلاثين عاما خلت لأربعين عاما قادمة!

والسؤال: كيف تحول مشروع للنهضة المصرية العربية فجرته ثورة أسست لنظام جمهورى لأول مرة فى تاريخ مصر الحديثة إلى مشروع للتوريث؟. وكيف ستتصرف المعارضة أمام هذا المأزق. هذا ما سنحاول أن نلقى عليه الضوء فى سلسلة المقالات القادمة والتى أرجو أن تنجح فى فتح حوار مجتمعى جاد حول مستقبل نظام الحكم فى مصر

- من مشروع للنهضة إلى مشروع للتوريث

انتهينا فى مقال الماضى ، الذى خصصناه للتعرف على طبيعة الإشكالية التى يواجهها نظام الحكم فى مصر فى المرحلة الراهنة، إلى أن هذا النظام وصل إلى مفترق جديد للطرق بعد أن قام بسد كل منافذ تداول السلطة ولم يترك للشعب سوى الاختيار بين بديلين كلاهما مر: التجديد لرئيس تجاوز الثمانين من عمره لفترة ولاية سادسة تنتهى وهو على مشارف التسعين، أو تنصيب نجله فى حال ما إذا قرر الأب عدم الترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كما أوضحنا أن مبارك الابن سيحكم البلاد فى كلتا الحالتين، إما من وراء ستار ولمدة لا يعلمها إلا الله فى حال الخيار الأول، وإما رسمياً ولمدة قد تصل إلى أربعين عاماً مقبلة فى حال الخيار الثانى! ولأنه يصعب تصور أن تقبل مصر العميقة بأى من هذين الخيارين، فمن المتوقع أن تشهد الحياة السياسية فى مصر حراكا من نوع جديد يصعب التنبؤ بما قد يسفر عنه فى نهاية المطاف، مما يتطلب من النخبة أن تبحث معا عن خيارات أخرى، وهو ما يفرض على القوى الوطنية:

١- أن تتفق أولا فيما بينها على تشخيص دقيق للأسباب التى أدت إلى تحول مشروع النهضة والتحديث الذى أطلقته ثورة يوليو إلى مشروع للجمود والتوريث،

٢- استخلاص الدروس الصحيحة مما جرى كى لا تقع فى الأخطاء السابقة نفسها.

فى هذا السياق، نحاول فى مقال اليوم أن نقدم اجتهادنا الخاص للإجابة عن السؤال المطروح، آملين أن يسهم فى فتح الباب أمام حوار مجتمعى يمكن أن تتبلور من خلاله خيارات وبدائل تشكل أساسا صالحا لبناء نظام جديد للحكم، أكثر قدرة وفاعلية على مواجهة تحديات المرحلة الراهنة، وهى كثيرة ومتشعبة.

إن نظرة واحدة على ما جرى فى مصر منذ عام ١٩٥٢ تكفى لاستخلاص نتيجتين على جانب كبير من الأهمية:

الأولى: أن الأهداف والسياسات التى ينتهجها نظام الحكم فى مصر فى المرحلة الراهنة تتناقض كلياً مع الأهداف والسياسات التى سعت ثورة يوليو لتحقيقها فى سنواتها الأولى، خاصة خلال الخمسينيات والستينيات.

الثانية: أن بنية النظام السياسى التى أرستها ثورة يوليو، والتى اتسمت بتركيز السلطات فى يد شخص الرئيس وإدارة الدولة من خلال أجهزة الأمن والجهاز البيروقراطى، لم تتغير فى جوهرها حتى بعد تغير شكل النظام من الأحادية إلى التعددية.

فالمتأمل للأدوار والوظائف التى تقوم بها الأحزاب فى النظام السياسى لثورة يوليو منذ نشأته حتى الآن لن يعثر على أى فرق جوهرى بين الأدوار والوظائف التى قامت بها هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى فى الخمسينيات والستينيات وبين الدور الذى يقوم به الحزب الوطنى حالياً.

وهنا تتجلى مظاهر مفارقة كبرى: فكيف لنظام تمتع بمثل هذا الثبات والاستمرارية فى أساليب الحكم، أن يحدث مثل هذا الكم من التغير والقطيعة فى سياساته على الصعيدين الداخلى والخارجى؟ وليس لدينا تفسير لهذه المفارقة سوى تغير نوعية الأشخاص الذين تعاقبوا على رئاسة الدولة. وفى هذا السياق علينا أن ننتبه إلى:

١ - أن الشعب المصرى لم يشارك قط فى عملية اختيار الرؤساء الذين تعاقبوا على حكمه منذ ١٩٥٢ حتى الآن. فالرئيس عبدالناصر حملته دبابة إلى سلطة سعى إليها لتغيير واقع ثار عليه، أما السادات ومبارك فقد وصلا إلى السلطة بمصادفة الأقدار، وباختيار شخصى من «الرؤساء السابقين»، يفتقد أى وضوح فى المعايير.

٢ - اختلاف بيّن فى أنماط القيادة بين الرؤساء الثلاثة يصل إلى حد التناقض رغم خروجهم جميعا من صفوف المؤسسة العسكرية. فالرئيس عبدالناصر، مؤسس حركة الضباط الأحرار، كان زعيما كاريزميا، والرئيس السادات، الذى مارس العمل السياسى منذ نعومة أظفاره، كان مغامراً جسوراً، أما الرئيس مبارك، الذى لم يمارس العمل السياسى فى حياته قط، فشغل موقع القيادة بضمير الموظف المسؤول.

٣ - النهاية المفاجئة والحزينة لعبدالناصر والسادات بعد فترة قصيرة من صدمة سياسية عنيفة. فالزعيم الكاريزمى انهار تحت وطأة المرض والجهد بعد فترة من هزيمة ٦٧، والرئيس المغامر مات مغتالاً بنيران جنوده بعد فترة قصيرة من زيارة القدس وإبرام معاهدة «السلام» مع إسرائيل. أما فترة حكم الرئيس مبارك، التى تجاوزت حتى الآن مجموع فترتى حكم عبدالناصر والسادات معاً، فلم تشهد قرارات حاسمة من أى نوع.

لم تخضع هذه المراحل والأنماط القيادية الثلاث، للأسف، لعملية تقييم موضوعى من جانب النخبة السياسية والفكرية التى اتسمت أحكامها بمسحة أيديولوجية وذاتية حيث انشغلت معظم فصائلها بتوجيه النقد إلى الرئيس الراحل وكيل المديح إلى الرئيس الحى، وكثيراً ما لعبت الاعتبارات الأيديولوجية دورا أساسيا فى تحويل الرؤساء إلى ملائكة أو شياطين. وفى غمرة هذا التخندق الفكرى والسياسى نسى كثيرون أن رؤساء الدول - زعماء كاريزميين كانوا أو قادة مغامرين أو موظفين بيروقراطيين - ينتمون جميعا إلى سلالة البشر ومن ثم يخطئون ويصيبون.

ما لم تنتبه إليه النخبة هنا، أن البشر مهما كانت قدراتهم ومواهبهم قابلون لارتكاب أخطاء يمكن أن تكون قاتلة وكارثية، إن هى تركت دون تقويم. ولأن الرؤساء الثلاثة الذين تعاقبوا على حكم مصر تمتعوا بسلطات مطلقة دون رقيب أو حسيب ولم يخضعوا لمساءلة من أى نوع فقد ارتكب كل بطريقته أخطاء عظيمة.

فلو كان ينطوى على آليات تسمح بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لبحث ملابسات الانفصال السورى عن مصر فى عهد عبدالناصر، أو لبحث أسباب حدوث الثغرة فى عهد السادات، أو لبحث أى من قضايا الفساد التى لا تحصى ولا تعد فى عهد الرئيس مبارك، لكان بوسع مصر أن تتلافى وقوع كوارث كثيرة فى الماضى ولأمكنها تجنب وقوع كوارث أعظم تنتظرها فى المستقبل، إن استمرت الأمور على ما هى عليه.

ربما التمس البعض أعذارا للرئيس عبدالناصر حين أقدم على حل الأحزاب وقام بتركيز كل السلطات فى يديه فى مرحلة اقتضت القيام بعملية تطهير سياسى واسعة النطاق اقتضتها ضرورات حماية الثورة فى سنواتها الأولى، لكن عبدالناصر أهدر فرصة ثمينة لبناء نظام سياسى ديمقراطى أكثر فاعلية عقب الانتصار السياسى العظيم الذى تحقق فى ٥٦.

وربما التمس البعض أعذارا للرئيس السادات حين تردد فى المضى قدما نحو إرساء أسس صحيحة لبناء نظام ديمقراطى حقيقى قبل أن يستكمل تحرير الأرض المحتلة، ومع ذلك فلا جدال فى أن الرئيس السادات أهدر فرصة ثمينة لإحداث تحول ديمقراطى حقيقى عقب الإنجاز الكبير الذى تحقق فى حرب أكتوبر ٧٣.

ولأن فترة حكم كل من الرئيس عبدالناصر والرئيس السادات اتسمت بتحديات هائلة تطلبت قرارات على جانب كبير من الخطورة، فإن عملية التماس الأعذار قد تكون مبررة بشكل أو بآخر، وهو ما لا ينطبق بتاتا على فترة حكم مبارك.

فمصر لم تخُض فى عهده - ولأول مرة فى تاريخها المعاصر - حروبا من أى نوع، وتدفقت عليها خلال فترة حكمه موارد من كل حدب وصوب ولم تغلق القناة وأُسقطت لها ديون كثيرة وجلبت لها العمالة المهاجرة مليارات الدولارات فى سنوات الوفرة النفطية. لذا كان من المفترض أن تشهد فترة حكمه، التى طالت لأكثر من ربع قرن، انطلاقة غير مسبوقة، لتصبح مصر دولة إقليمية كبرى، وهو ما لم يحدث.

التضحيات التى قدمتها مصر فى عبدالناصر لتقيم نظاما جمهوريا يحقق الاستقلال السياسى ويقود الأمة العربية نحو الوحدة، والتضحيات التى قدمتها مصر فى عهد السادات لتحرير سيناء وتوفير أجواء السلام كان يمكن - وبصرف النظر عن أى خلافات أيديولوجية مع نهج هذا الزعيم أو ذاك - أن تعطى لمصر الكثير، غير أن حفنة صغيرة من النخبة سرقت تضحيات شعب لايزال قطاع كبير منه يعيش فى القبور والعشوائيات ويحصل على خدمات تعليمية تتدهور باستمرار.

وها هى هذه الحفنة نفسها تحاول اليوم تكريس مكاسبها من خلال مشروع للتوريث يمكن، إذا ما نجح، أن يضرب آمال الشعب المصرى فى أى نهضة مستقبلية. فكيف ظهر مشروع التوريث هذا، وما احتمالات نجاحه؟ هذا ما سنتناوله فى المقال المقبل بإذن الله

- مشروع التوريث: وهم أم حقيقة؟

توقفنا فى المقال السابق عند أسباب تحول ثورة يوليو من مشروع للنهضة والتحديث فى عهد عبدالناصر، إلى مشروع للجمود والتوريث فى عهد مبارك، وطرحنا فى ختامه تساؤلا حول كيفية ظهور مشروع لتوريث السلطة فى مصر. ولأن رجال لجنة السياسات فى الحزب الوطنى ينكرون من الأساس وجود مثل هذا المشروع، ويعتبرون كل ما يتردد حوله مجرد «وهم» اختلقته المعارضة وصدّقته، فربما يكون من الملائم أن نتفق أولا على معنى «التوريث».

من المعروف أن السلطة لا تورث إلا فى النظم الملكية، ولأن دستور جمهورية مصر العربية مازال، حتى إشعار آخر، يعتبر نظامها السياسى جمهوريا، وبالتالى يحق للشعب أن يختار رئيسه بنفسه، غير أن النظم الجمهورية ليست كلها نظما ديمقراطية بالضرورة، حيث تحولت الانتخابات أو «الاستفتاءات» فى العديد منها إلى عملية صورية بحتة لا تعكس نتائجها الإرادة الحقيقية للشعوب، بل إن درجة الاستبداد فى بعضها وصل حدا جعل تداول السلطة فيها يبدو محصورا داخل نطاق أسرة أو عائلة بعينها، وهو ما حدث مؤخرا فى دول كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: كوريا الشمالية، وسوريا، وبعض جمهوريات آسيا الوسطى وغيرها.

لذا لم يتردد فقهاء النظم السياسية فى إطلاق وصف «الجمهوريات الوراثية» على هذا الشكل الحديث نسبيا من أشكال النظم السياسية. وعندما بدأت ظاهرة جمال مبارك تطفو على سطح الحياة السياسية فى مصر، وكثُر الحديث عن خلافته المؤكدة لوالده، أصبح نظام مصر السياسى مرشحا للانضمام إلى قافلة «الجمهوريات الوراثية» فى العالم. وفى سياق كهذا كان من الطبيعى أن يكثر الحديث عن «مشروع التوريث» لوصف ما يجرى هناك، فكيف ظهر مشروع التوريث هذا؟

فى تقديرى أن «ظاهرة جمال مبارك»، التى ترتب على ظهورها انضمام النظام السياسى المصرى إلى قافلة «الجمهوريات الوراثية»، ليست سوى إفراز مباشر وطبيعى لنوعين من التحولات طرآ على بنية النظام السياسى فى مصر خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة:

الأول: يتعلق بتحولات طرأت على شخصية الرئيس مبارك نفسه، فـ«مبارك» الذى ألفناه فى سنوات ولايته الأولى وسمعناه يتحدث عن «الكفن الذى ليس له جيوب»، ويعبر عن «قناعته بضرورة تحديد الفترة الرئاسية بولاية واحدة أو ولايتين على أكثر تقدير»، ليس هو مبارك الذى نشاهده اليوم، والذى ظل فى السلطة لخمس ولايات متتالية حتى الآن ومازال يصر على «البقاء فى موقعه طالما بقى فيه عرق ينبض»، ولا يجد حرجا فى القول إنه «لم يعثر فى مصر كلها على شخص يصلح نائبا له»، و»لم يفاتح ابنه جمال فى أمر ترشحه للرئاسة»!. ولا يتسع المقام هنا لتحليل أسباب التحول فى شخصية مبارك، الذى يبدو الآن مختلفا بالمطلق عن مبارك الذى كنا قد تفاءلنا به فى الثمانينيات!.

الثانى: يتعلق بتحولات طرأت على البيئة الاقتصادية والاجتماعية المحيطة، التى أفرزت طبقة من «رجال المال والأعمال» ليس لها نظير فى تاريخ مصر الحديث.

فقد استطاعت هذه الطبقة الجديدة محدودة العدد، والتى تشكلت من خليط من «أغنياء المعونة الأمريكية»، ووكلاء الشركات الدولية، والمضاربين فى الأسواق العقارية وفى أسواق المال والبورصات المحلية والأجنبية، أن تجمع ثروات هائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات فى فترة وجيزة لا تتجاوز عقدين من الزمان، بدأت مع القبول بروشتة البنك والصندوق للإصلاح الهيكلى فى بداية التسعينيات، ووصلت ذروتها مع قرار تعويم الجنيه المصرى وربطه بالدولار فى بداية الألفية الثالثة.

ولأن هذه الطبقة، التى أدركت عمق التداخل العضوى بين مصالحها ومصالح النظام الحاكم، كانت لا تزال تشعر فى الوقت نفسه بقلق عميق من بقايا نظام ظل يدار لفترة طويلة من خلال الاقتصاد المخطط، فقد كان من الطبيعى أن تبذل كل ما فى وسعها للبحث عن رمز ليبرالى من داخل النظام تلتف حوله، وحين عثرت على ضالتها فى شخص جمال مبارك لم يكن من الصعب عليها أن تنسج حوله مشروعا للمستقبل بدا مكتمل العناصر:

- فالابن الأصغر لرئيس الدولة، الذى أصبح بحكم تكوينه العلمى والمهنى أحد رموز الطبقة الجديدة والمرشحين الكبار لتمثيلها والتحدث باسمها، بدا جاهزا ومستعدا لعمل عام بدا طموحه بشأنه مطلقا بلا حدود أو سقوف.

- والطبقة الجديدة ، التى كانت قد بدأت تسيطر تدريجيا على معظم مقدرات مصر الاقتصادية، تعرف القادم الجديد عن قرب، وتثق فيه، وتبدو على أتم استعداد لوضع إمكانياتها تحت تصرفه وتقديمه للرأى العام على أفضل صورة ممكنة.

- وسيدة مصر الأولى، المنخرطة بعمق فى العمل العام على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، تبدو مقتنعة بقدرات ومواهب ابنها الأصغر، ولا تحتاج لإلحاح كبير للموافقة على منحه كل ما يحتاج من فرص للوصول إلى أقصى مدى يمكن أن تحمله إليه طموحاته، ولتذليل أى عقبات قد تعترض طريقه، بما فى ذلك احتمال ممانعة أو عدم تحمس الرئيس الأب!.

- والنخبة المصرية تبدو، كعادتها دائما، مكتظة بالعناصر الجاهزة لتلبية الطلبات السياسية، وتفصيل العباءات الأيديولوجية التى يحتاجها كل «فكر جديد»!.

وهكذا، ومع اكتمال مجمل العناصر اللازمة لإطلاق جمال فى سوق السياسة المصرية، بدأ «مشروع التوريث» يتجسد واقعا على الأرض من خلال المراحل المحددة التالية:

المرحلة الأولى: بدأت بتأسيس جمعية «جيل المستقبل» عام ١٩٩٨، بعد أن استقر الأمر على أن يكون المجتمع المدنى هو المنصة التى ينطلق منها جمال لممارسة دوره المرسوم، غير أن ذلك لم يمنع جهات رسمية بعينها، كجامعة القاهرة مثلا، من تقديم العون والنصيحة حيث قدمت للجمعية مقرا دائما داخل حرمها المكتظ.

المرحلة الثانية: شهدت بداية انخراط جمال فى العمل الحزبى. وكان البعض قد اقترح أن يقوم جمال بتأسيس حزب خاص يحمل اسم «حزب المستقبل»، ربما فى سياق تصور يستهدف تحويل النظام المصرى إلى نظام ثنائى الحزبية على النمط الأمريكى، غير أنه سرعان ما تم العدول عن هذه الفكرة، وهكذا تقرر انضمام جمال مبارك إلى الحزب الوطنى لأول مرة عام ٢٠٠٠.

المرحلة الثالثة: شهدت تكليف وزراء بأعينهم بمهمة ترتيب لقاءات خاصة بين جمال وعناصر مختارة من النخبة استهدفت أمرين، الأول: التعرف مباشرة على ما يدور فى ذهن النخبة من أفكار لتنشيط الحياة السياسية فى مصر وتجديد دمائها، والثانى: انتقاء من يراه جمال صالحا من هذه العناصر للعمل إلى جانبه فى «لجنة سياسات» تقرر تشكيلها داخل الحزب الحاكم وإسناد رئاستها له. وكان هذا بداية انطلاق حركة إصلاح الحزب الحاكم من داخله، وإطلاق «الفكر الجديد».

المرحلة الرابعة: شهدت إجراء تعديلات دستورية سمحت بانتخاب رئيس الجمهورية، وقاد جمال مبارك بنفسه الحملة الانتخابية للرئيس الوالد عام ٢٠٠٥، وكان يفترض أن تكون هذه المرحلة، التى شهدت أيضا تعيين جمال أمينا مساعدا، ثم ضمه للهيئة العليا للحزب الحاكم، هى المرحلة قبل الأخيرة فى سلسلة مشروع التوريث الذى كان من المتوقع أن يصل إلى خط النهاية حين يخلو منصب الرئيس ويقرر الحزب الحاكم ترشيح جمال فى الانتخابات التالية، سواء تمت عام ٢٠١١ أو قبل ذلك!

ويتضح من هذا السرد أن «مشروع توريث السلطة» فى مصر، وبصرف النظر عما إذا كان التخطيط له قد تم عبر مراحل محددة سلفا منذ بداية ظهور جمال على الساحة، أم أن كل مرحلة قادت تلقائيا للمرحلة التى تليها، هو مشروع حقيقى قائم على الأرض. لذا فالقول إنه وهم لا وجود له إلا فى خيال المعارضة المريض، كما يدعى رجال لجنة السياسات، هو قول لا يحترم عقل الشعب المصرى.

وأياً كان الأمر، فهناك فرق كبير بين وجود مشروع لتوريث السلطة فى مصر وقابليته للتحقق على الأرض وفقا لنفس السيناريو، والمراحل المخطط لها سلفا. ولأننى أعتقد أن مشروعاً كهذا يحمل فى طياته عناصر فنائه بالضرورة، فأنا أتنبأ له بفشل ذريع، وهذا ما سأحاول شرحه تفصيلاً فى المقال بإذن الله.

- مشروع التوريث: أخطر مصادر تهديد الأمن الوطنى

خلصنا فى المقال السابق إلى أن ما يقال عن «توريث السلطة» فى مصر ليس مجرد «وهم اخترعته المعارضة وصدقته»، كما يدعى أعضاء لجنة السياسات فى الحزب الحاكم، بل مشروع حقيقى تبنته قوى سياسية واجتماعية نافذة تسعى لترجمته واقعاً على الأرض، من خلال خطة متدرجة يفترض أن تصل إلى غايتها بتمكين جمال من خلافة والده فى موعد لا يتجاوز نهاية الولاية الخامسة، أى فى أكتوبر ٢٠١١ على أكثر تقدير.

غير أننا أكدنا فى ختام المقال ذاته أن وجود مشروع للتوريث تتبناه قوى نافذة تصر على تنفيذه، لا يعنى أن نجاحه بات مضمونا بالضرورة، لذا فقد توقعنا إخفاقه ووعدنا بتخصيص مقال اليوم لمناقشة الأسباب التى تدعونا لترجيح كفة فشله.

وقبل الخوض فى مناقشة هذه الأسباب ربما يكون من المفيد هنا إعادة تذكير القراء بأننا حرصنا منذ البداية على عدم تشخيص قضية التوريث، فالأمر المطروح للنقاش فى كل ما كتبته متعلقاً بهذه القضية، لا يدور حول مدى أهلية جمال مبارك لتولى منصب الرئاسة، وإنما حول مدى مواءمة النظام السياسى الذى أفرز ظاهرة التوريث لإدارة الدولة المصرية فى الحاضر والمستقبل.

صحيح أن «التوريث» ظلّ هو الوسيلة المتبعة لانتقال السلطة منذ نشأة النظام السياسى لثورة يوليو حتى الآن، غير أن النمط الذى ساد فى عهدى عبدالناصر والسادات، ألا وهو نمط «التوريث بالاختيار»، من خلال قيام الرئيس الحاكم باختيار نائب له يصبح بالضرورة هو الرئيس القادم، يختلف اختلافاً كبيراً من حيث الشكل والمضمون عن النمط الذى يجرى الإعداد له حاليا فى عهد مبارك ولم يدخل بعد حيز التنفيذ، ألا وهو نمط «التوريث بالدم» من خلال نقل السلطة من الأب إلى الابن.

ورغم أن كلا النمطين يعتبر معاديا لأبسط قواعد الديمقراطية، فإن تحول نظام ثورة يوليو من نمط التوريث بالاختيار إلى نمط التوريث بالدم يعد انتكاسة كبرى، لأنه ينسف أسس النظام الجمهورى أيضا، وليس فقط أسس النظام الديمقراطى.

لقد أتيحت أمام الرئيس مبارك، بعكس سلفيه الراحلين، ولأول مرة فى تاريخ الجمهورية، فرصة تاريخية حقيقية لإحداث تحول ديمقراطى سلمى فى النظام، وتمكين الشعب المصرى من اختيار رئيسه، ولم يكن ذلك يتطلب منه أكثر من إلغاء «قوانين سيئة السمعة» صدرت فى أواخر عهد السادات، بالعودة إلى النص الدستورى الأصلى الذى يقيد فترة الرئاسة بولايتين متتاليتين، وتنشيط الحياة السياسية بإطلاق حرية تشكيل الأحزاب دون قيود.

وقد أمل كثيرون، وأنا واحد منهم، فى أن يشرع الرئيس مبارك فى تنفيذ البرنامج الإصلاحى هذا عقب تمكنه من استعادة طابا، وعودة الجامعة العربية إلى مقرها بالقاهرة قبل نهاية الثمانينيات، غير أن الرئيس خيب كل التوقعات وسار فى اتجاه معاكس لما سبق أن أوحى به خطابه السياسى فى بداية عهده، بل وفى اتجاه معاكس للتقاليد الجمهورية نفسها التى حرص سلفاه على احترامها، وهو ما بدا واضحا من سلوك الرئيس تجاه مسألتين محوريتين، الأولى: إصراره على عدم تعيين نائب له بحجة عدم العثور على شخص تتوافر فيه الصفات المطلوبة،

والثانية: موافقته على قيام نجله بممارسة دور سياسى راح يكبر تدريجياً إلى أن أصبح بمثابة النائب غير الرسمى لرئيس الجمهورية.

ولأن جمال كان قد بلغ بالكاد سن الثامنة عشرة حين تولى والده رئاسة الدولة فى أعقاب حادث اغتيال مروع أطاح بسلفه، فلم يكن بوسع أحد أن يربط بين هاتين المسألتين فى وقت مبكر، لذا تعين الانتظار حتى نهاية التسعينيات قبل أن تبدأ معالم مشروع التوريث فى الانكشاف تباعا على النحو الذى شرحناه تفصيلا فى مقال الأسبوع الماضى.

لم يتوقع أحد بالطبع أن يكشف النظام عن كل أوراقه، ومن ثم حاول التمويه على خطط التوريث، وسعى لإخفاء نواياه بشأنها تحت عباءة شعارات فضفاضة من قبيل: «التحديث»، و«الإصلاح»، و«الفكر الجديد»... إلخ.

لذا لم يكن غريبا أن تختلف السياسات التى انتهجها النظام لتحويل مشروع التوريث إلى واقع على الأرض عن تلك التى اعتادها قبل الإطلاق الرسمى لهذا المشروع، وهو ما انعكس بوضوح على ساحات ثلاث تم اختيارها بعناية، الأولى: ساحة الحزب الحاكم، التى وقع عليها الاختيار كمنصة إطلاق لمشروع التوريث، والثانية: ساحة قطاع المال والأعمال، التى وقع عليها الاختيار كرافعة للترويج الداخلى للمشروع، والساحة الدولية، التى وقع عليها الاختيار لتذليل العقبات الخارجية التى قد تعرقل مساره.

غير أن بوسع الفاحص المدقق لما جرى طوال السنوات العشر الماضية أن يكتشف بسهولة أن السياسات التى تم انتهاجها على هذه الأصعدة الثلاثة حملت فى طياتها بذور فناء مشروع التوريث من أساسه.

فعلى صعيد العمل الحزبى: جرت محاولة لتبرير الهبوط المفاجئ لجمال مبارك بالباراشوت على الحزب الحاكم بالرغبة فى «ضخ دماء جديدة» فى شرايين الحزب على أمل تنشيطه وإخراجه من حالة التكلس أو الترهل التى أصابته، وتقديم «فكر جديد» أكثر قدرة على التعامل مع المستجدات المحلية والإقليمية والدولية.

غير أن الذين خططوا لإطلاق مشروع التوريث وفق هذا التصور، لم يفطنوا إلى مجموعة من الحقائق، أولاها: أن الذين سيهرولون للتحلق حول جمال مبارك فى لجنة السياسات لن يفعلوا ذلك إعجابا بقيادته لتيار فكرى يؤمنون به، أو لمدرسة سياسية ينتمون إليها، وإنما لسبب واحد ووحيد وهو أنه ابن رئيس الدولة والحزب الحاكم، والمرشح القادم صاحب الحظ الأوفر للرئاسة.

وثانيتها: أن إصلاح حزب حاكم جاء به رئيسه وهو فى السلطة، ولم يأت هو برئيسه إلى السلطة، لا يتأتى من خلال عملية جراحية لزرع ابن للرئيس داخل جسد حزب حاكم، وإنما من خلال تنشيط الحياة الحزبية خارجه، بالتصريح لمنافسين أقوياء جدد بالنزول إلى الساحة. ولذلك لم تسفر عملية الهبوط المفاجئ بالباراشوت إلا عن نتيجتين،

الأولى: تمكين القادم الجديد من السيطرة على الحزب من داخله، وإحلال كوادر جديدة تدين له بالولاء الشخصى محل الكوادر التقليدية أو «الحرس القديم».

الثانية: تمكين الحزب من الهيمنة على آليات عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحييد السلطة القضائية أو إفسادها من داخلها إن هى رفضت الخضوع، من أجل تهيئة المسرح لإخراج عملية التوريث بأفضل «حُلّة ديمقراطية» ممكنة!.

غير أن الطريقة التى أدار بها الحزب الحاكم «الجديد» انتخابات الرئاسة، ثم معركة التعديلات الدستورية التى أعقبتها لم تقنع الشعب إلا بشىء واحد فقط، وهو أن الإصلاح المطلوب هو فقط كل ما يمكن أن يدفع بجمال نحو موقع الرئاسة!.وعلى صعيد المال والأعمال: بدا واضحاً منذ البداية أن طبقة رجال الأعمال الجدد، خاصة أولئك الذين ترتبط مصالحهم ارتباطاً عضوياً بالدولة، وكانوا أول من اكتشف جمال وزين له طريق السلطة، لابد أن يكونوا هم أحرص الناس على مشروع التوريث، وأكثرهم استعدادا لتحمل تبعاته.

وفى هذا السياق بدأت أكبر وأضخم عملية خلط للأوراق بين المال والسياسة فى تاريخ مصر، وتاهت الحدود بين الاثنين، لذا لم يكن من قبيل المصادفة أن تشهد السنوات العشر الماضية، التى بدأت مع انطلاق مشروع التوريث، أكبر وأسرع عملية خصخصة وبيع أراض، وأكثرها فساداً فى تاريخ مصر. غير أن الأقدار تدخلت فى النهاية لتكشف- من خلال سلسلة من الحوادث الدامية، ربما كان أهمها حادث العبارة، ثم مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم- عمق التداخل بين المال والسياسة من خلال حبل الفساد السُّرى، الذى بدا واضحاً أنه يربط بينهما عضويا.

وفى هذا السياق كان من الطبيعى أن تتحول هذه الشريحة من رجال الأعمال من سند داعم إلى عبء فى نظر الشعب، بعد أن تبين أن مشروع التوريث هو ذاته مشروع لعودة رأس المال للهيمنة على الحكم.

وعلى الصعيد الخارجى: بدا واضحاً لمهندسى التوريث أن مشروعهم، الذى لا يحظى بأى تأييد داخلى، لا يستطيع أن يمرّ دون دعم خارجى واضح. لذا فقد بنوا تصورهم لسياسة مصر الخارجية فى مرحلة ما بعد ظهور مشروع التوريث على أساس السعى لاسترضاء إسرائيل والولايات المتحدة بكل الوسائل والسبل الممكنة، والعمل على تجنب الدخول فى صدام مع أى منهما مهما كانت الظروف. ولأنه كان بوسع هاتين الدولتين أن تدركا بسهولة مدى حاجة النظام المصرى لدعم مشروع التوريث، فلم تترددا فى أن تمارسا فى مواجهته كل أنواع الابتزاز المتخيلة.

وفى تقديرى أنه يصعب تفسير العديد من المواقف التى اتخذتها السياسة الخارجية المصرية فى الآونة الأخيرة ما لم ندخل عنصر التوريث فى الاعتبار، وأظن أن بوسع أى باحث مدقق أن يثبت بسهولة أن مواقف السياسة الخارجية المصرية فى السنوات العشر الأخيرة، خاصة خلال الحرب الأمريكية على العراق عام ٢٠٠٣، والحربين الإسرائيليتين على لبنان عام ٢٠٠٦ وعلى قطاع غزة فى ديسمبر ٢٠٠٨- يناير ٢٠٠٩، عكست حجم الابتزاز الذى مُورس على سياسة مصر الخارجية، وأن الرضوخ لهذا الابتزاز ألحق ضررا فادحا بمصالح مصر الوطنية، ناهيك عن مصالحها القومية العليا.

فى سياق كهذا يبدو واضحاً أن نجاح مشروع التوريث سيؤدى حتما إلى نتائج بالغة السلبية، أهمها:

١- قطع الطريق أمام التحول الديمقراطى ولمدة أربعين سنة مقبلة على الأقل.

٢- هيمنة رأس المال على الحكم بكل ما يمكن أن تنطوى عليه هذه الهيمنة من فساد.

٣- إلحاق الضرر بأمن مصر الوطنى، وهو أخطر ما فى الأمر.

وأظن أنه آن الأوان لكى يستخلص النظام الحاكم دروساً وعبراً مما جرى لفاروق حسنى فى انتخابات اليونسكو الأخيرة!.لهذه الأسباب كلها أعتقد أن الشعب يرفض تماماً مشروع التوريث، لكن هل يستطيع منعه؟ هذا هو ما سنحاول الإجابة عنه فى مقال الأسبوع المقبل.

- هل يمكن إجهاض مشروع التوريث؟ وكيف؟

أود فى ختام هذه السلسلة من المقالات، استخلاص أهم القضايا التى أظن أنها تستحق أن تحظى بنقاش جاد وموسع من جانب مختلف فصائل النخبة الوطنية فى مصر، لمعرفة ما إذا كان حجم الإجماع المتحقق حولها يكفى لبلورة رؤية مشتركة يمكن البناء عليها لإعادة إحياء الحركة الوطنية بطريقة تسمح لها بتغيير الواقع التعيس الذى تعيشه مصر فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخها:

القضية الأولى: تتعلق بالموقف من مشروع التوريث، وما إذا كان السعى لإجهاضه يمكن أن يشكل مهمة تستحق أن تتصدر منذ الآن جدول أولويات العمل الوطنى.

القضية الثانية: تتعلق بالموقف من التكتيكات المحتملة التى يتوقع أن يلجأ إليها الحزب الوطنى لتمرير مشروع التوريث والقدرة على بلورة تكتيكات مضادة.

القضية الثالثة: تتعلق بشكل وطبيعة النظام السياسى البديل فى حال نجاح الحركة الوطنية فى إجهاض مشروع التوريث وفتح الطريق أمام التغيير.

ولفتح باب النقاش العام حول هذه القضايا الثلاث ربما يكون من المفيد فى مقالنا الختامى هذا إعادة تحديد وصياغة رؤيتى الشخصية بقدر أكبر من الوضوح والتكثيف، وذلك على النحو التالى.

فيما يتعلق بالموقف من مشروع التوريث، لا يخامرنى شك فى أن الغالبية الساحقة من شعب مصر ترفضه، وهو ما يؤكده استطلاع حديث أجراه الحزب الوطنى نفسه، لأن خلافة جمال لوالده بالطريقة الجارية تنطوى على معانٍ أهمها:

١- إحساس عميق بالمهانة: فقد أصبحت الأغلبية الساحقة على قناعة تامة بأن الخلافة، إن تمت، ستكون نتاج عملية مخططة لاغتصاب السلطة، وليست تعبيرا عن إرادة شعبية تعكسها انتخابات حرة ونزيهة. ولأنها تبدو عملية مسرحية تنطوى على نوع من الاستغفال والاستهانة بالشعب المصرى فمن الطبيعى أن يتولد لديه شعور بالمهانة إلى حد يستحق الغضب.

٢- تأبيد الاستبداد: فالرئيس القادم يأتى فى أعقاب تعديلات دستورية تطلق فترات الولاية، وتحول دون تمكين القضاء من الإشراف علىسير الانتخابات. ولأن جمال مبارك - وهو المسؤول الأول عن هذه التعديلا - شاب فى منتصف الأربعينيات فمن المتوقع أن يظل رئيسا مفروضا لمدة قد تطول إلى أربعين عاما مقبلة!

٣- رضوخ للقهر الاجتماعى: فلأن الوريث ينتمى إلى مجموعة من «رجال الأعمال الجدد» تؤمن بالحرية الاقتصادية وتعادى الليبرالية السياسية فى الوقت نفسه، يخشى كثيرون أن تزداد سطوة رأس المال فى عهده، وأن تتسع الهوة القائمة حاليا بين الأغنياء والفقراء على نحو قد يشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الاجتماعيين.

٤- استسلام للهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية: فلأنه يصعب وصول الوريث إلى مقعد الرئاسة دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة وإسرائيل، يخشى كثيرون أن يظل قرار مصر رهينة وعرضة للابتزاز من جانب قوى خارجية ولفترة طويلة مقبلة.وإذا صح هذا التحليل، فمعناه أن الرفض الشعبى لمشروع التوريث يمكن أن يتسع ليشمل جميع القوى الإنسانية الرافضة أسلوب الخديعة، والقوى السياسية المعارضة للاستبداد، والقوى الاجتماعية الباحثة عن عدالة التوزيع، والقوى الوطنية المناوئة للهيمنة الخارجية والابتزاز الإسرائيلى.

وفيما يتعلق بالتكتيكات المتوقعة لا يخامرنى شك فى أن الحزب الحاكم سيسعى جاهدا لاستخدام كل ما لديه من وسائل الترهيب والترغيب لتمرير مشروع التوريث. ولأن أمامه تحديين كبيرين هما: انتخابات مجلسى الشعب والشورى، والتى يتعين أن يحصل فيها على ثلثى المقاعد على الأقل لضمان إحكام سيطرته على العملية التشريعية والحيلولة فى الوقت نفسه دون سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الثلث الباقى،

فمن المتوقع أن يحاول الحزب الحاكم إبرام صفقات مع القوى السياسية الأخرى سعيا لتحقيق هدفين أساسيين، الأول: تقليص تمثيل جماعة الإخوان المسلمين فى كل المجالس المنتخبة إلى أدنى حد ممكن وتوسيع تمثيل القوى الأخرى، كل حسب درجة استعداده للتعاون، إلى أقصى حد ممكن. الثانى: ضمان عدم حصول القوى الأخرى مجتمعة على ما يكفى من المقاعد لتمكين شخصية مستقلة من الترشح لانتخابات الرئاسة.

فى تقديرى أن النظام الحاكم لن يجد صعوبة كبيرة فى تحقيق أهدافه على هذا الصعيد لسببين رئيسيين، الأول: ضعف القوى السياسية المصرح لها رسميا بالعمل، مما يضاعف من ميلها لعقد صفقات تسمح لها بتحقيق مكاسب تتجاوز وزنها الحقيقى فى الشارع، والثانى: استخدام جماعة الإخوان المسلمين كفزّاعة لتخويف قوى سياسية واجتماعية بعينها. ولأن هذه القضية تشكل تحديا كبيرا جدا، ليس فقط لقوى المعارضة السياسية ولكن أيضا لمجمل القوى الوطنية، فيتعين على هذه الأخيرة أن تبدأ منذ الآن ببحث الآليات التى يمكن أن تحول دون عقد صفقات تسمح للنظام بتمرير مشروع التوريث بأقل الخسائر السياسية الممكنة، وهو أمر ليس بالمستحيل.

وأخيرا، ففيما يتعلق بمرحلة ما بعد سقوط مشروع التوريث، يتعين على كل القوى الوطنية أن تدرك أن التحدى الحقيقى الذى تواجهه لا يكمن فى إسقاط مشروع التوريث وإنما فى بناء نظام سياسى بديل للنظام الذى أفرز التوريث بكل أشكاله، سواء أكان توريثا بالاختيار أو توريثا بالدم.

وبصرف النظر عما قد يولده مشروع التوريث بالدم من إحساس بالمهانة، إلا أننا نعتقد أنه مشروع لا مستقبل له وأن مصيره إلى الزوال، إن عاجلا أو آجلا، حتى لو نجح فى تحقيق إنجاز مرحلى أو مؤقت، غير أنه يتعين ألا يغيب عن نظر القوى الوطنية أن خلافها ليس مع أشخاص بأعينهم وإنما مع نظام يكرس الفساد ويزين للاستبداد. ولن يشكل إسقاط نظام بهذه المواصفات خطوة إلى الأمام، إلا إذا تبعتها بالضرورة خطوة أخرى تستهدف تأسيس نظام بديل أرقى يقوم على أنقاضه، وهى مهمة ليست بالمستحيلة رغم كل ما قد يكتنفها من صعوبات ليست بالهينة.

ولأنه يستحيل، فى تقديرى، العثور على وصفة سحرية قادرة على أن تنقلنا من حالة الاستبداد المطلق التى تعيشها مصر فى المرحلة الراهنة إلى حالة من الديمقراطية الكاملة، التى نأمل فى الوصول إليها يوما ما.. فتبدو الحاجة ماسة إلى مرحلة انتقالية، يتعين على كل فصائل النخبة أن تسعى إلى تهيئة الظروف الملائمة لإنجازها. ويتطلب ذلك من كل فصائل النخبة المؤمنة بضرورة التغيير، بشقيها الفكرى والسياسى، أن تبدأ منذ الآن فى بلورة رؤية مشتركة تقوم، فى تقديرى، على الاقتناع:

١- بأن أى صفقات مع الحزب الوطنى قد تحقق مكاسب آنية لمن يقبل بإبرامها، لكنها ستضر بالقضية الوطنية ككل، وستؤدى إلى إضعاف كل من يقبل بها، وستساعد فى عزلته وفقدانه قواعده الشعبية، خصوصا على المدى الطويل.

٢- وبأنه ليس بوسع أحد أن يملك الحقيقة أو يحتكرها لنفسه، وبالتالى فليس من مصلحة الحركة الوطنية المصرية عزل أى قوى سياسية مهما بلغت درجة الاختلاف الأيديولوجى معها، ودفعها بالتالى للعمل تحت الأرض، لأن ذلك سيشكل عبئا على أى نظام سياسى فى المستقبل. من هنا تأتى ضرورة السعى لبلورة قواسم مشتركة والبناء عليها لتشكيل أوسع تحالف ممكن وتنحية كل الخلافات الأيديولوجية جانبا فى هذه المرحلة الحساسة الراهنة من مراحل تطور الحركة الوطنية.

٣- وبأن من مصلحة جميع القوى الوطنية أن تنسق فيما بينها لخوض معركة الانتخابات التشريعية المقبلة بمرشحين يتم الاتفاق على تسميتهم. وأظن أن لدى الجميع وقتا كافيا لبلورة قواعد وآليات واضحة ومحددة لاختيار مرشحين فى معظم الدوائر - إن لم يكن فيها جميعا - يصلحون لإدارة المرحلة الانتقالية. وفى حالة الاختلاف على مرشحين من بين كوادر الفصائل السياسية المختلفة يتعين السعى للاتفاق على ترشيح عناصر مستقلة تتمتع بحسن السمعة والسلوك.

٤- وبأن الاتفاق على مرشح مستقل لرئاسة الجمهورية بات ضرورة حتمية، فالظروف مهيئة تماما لالتفاف الشعب حول مرشح قوى يحظى بإجماع النخبة، خصوصا إذا تم تقديمه باعتباره المرشح المكلف بإدارة التغيير فى مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات يتعين خلالها صياغة دستور جديد وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية بما يسمح ببناء نظام تعددى حقيقى.

وفى تقديرى، إن تأييد رموز مصر الفكرية لبرنامج من هذا النوع كفيل، ليس فقط بإسقاط مشروع التوريث، وإنما بإحياء الأمل فى إمكانية قيام نظام ديمقراطى حقيقى فى المستقبل المنظور.